الرحمة التي لا تنقطع، وينابيع الخير التي لا تنقص ولا تغيض، وأدلة الهدى التي لا تشذ ولا تنحرف ومشارق النور الذي لا ينطفي، وبإحياء أمرهم حياة النفوس وبذكر فضائلهم جلاء الظلمات وبلوغ الغايات، وأن يكثروا من الصلاة عليهم إذا جرى ذكرهم فإن الصلاة عليهم تحط الذنوب وتدفع الكروب وتثبت الإيمان في القلوب.
[الفصل الثالث] [في مجاهدة النفس] [المسألة 64:] إذا رأى الإنسان نفسه تاركة وجهة الدين الصحيح في الأعمال الواجبة أو المحرمة أو في بعضها، أو في الالتزام بالأخلاق الحميدة أو الارتكاب للرذائل المذمومة أو في بعض ذلك، وجب عليه أن يجاهد نفسه ويوجهها وجهة الحق الصحيح ويلزمها به وأن يردعها عن المخالفة، ويقف منها موقف الغريم المحاسب حتى يردها إلى امتثال أمر الله ونهيه، ولا يتسامح معها ولا يتساهل، فإن الإصرار على الذنب ذنب آخر، وإن الاستمرار على الجريمة جريمة ثانية قد تكون أكبر منها، وإن البقاء على الرذيلة رذيلة أخرى تضاعف الانحراف وتناقض الاستقامة، وقد تمنع من الحصول عليها، وهذا هو الجهاد مع النفس الذي تكاثرت النصوص الدالة على وجوبه على الإنسان وسمته الجهاد الأكبر، لطوله واستمراره ووجوب اتخاذ اليقظة والحذر في جميع مراحله، ففي الحديث عن أمير المؤمنين (ع): (إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سرية فلما رجعوا، قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس)، وعنه صلى الله عليه وآله: (الشديد من غلب نفسه)، وفي كتاب المجازات النبوية عنه صلى الله عليه وآله: (المجاهد من جاهد نفسه)، وعنه صلى الله عليه وآله: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر).
وليست الكلمات المذكورة مواعظ قيلت لمجرد التذكير والتنبيه القصير الأمد، ولكنها مناهج واجبة الاتباع، تلقى للعمل الدائم الواجب مدى الحياة.