وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): " في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم مواشيهم شيء سوى الجزية؟ قال: لا. " (1) والأخبار الواردة في العشور مع كثرتها لم تصل عندنا إلى حد الإقناع والحجية، بل وردت أخبار كثيرة في ذم العاشر والماكس كما مر. وقد مر الترديد في صحة ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المجال، ولو سلم صحة ما روي عنه أعني قوله: " إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور " فالظاهر أن محط النظر في هذه العبارة بيان عقد النفي لا عقد الإثبات فلا إطلاق فيه، ولعل المراد به كان صورة شرطها في عقد الجزية فلا إشكال فيها حينئذ لكون مقدار الجزية عندنا موكولا إلى نظر الإمام، أو يراد بالعشور الجزية كما مر عن الترمذي.
هذا مضافا إلى أنه لم يثبت أن المأخوذ في عصر عمر كان بدون الاشتراط فلعلهم كانوا يشرطونها. وللدولة الإسلامية منع أهل الحرب من الدخول في دار الإسلام وعدم إعطاء الأمان لهم إلا بشروط فيكون منها إعطاء مال خاص سواء كان عشرا أو أقل أو أكثر. كما أنه لو كانت للدولة الإسلامية مرافق وإمكانات محدثة كالمراسي والمحطات والطرق المبلطة والجسور ونحوها فلها أن تعلق إجازة الاستفادة منها على إعطاء حقوق خاصة من غير فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم.
هذا كله مع قطع النظر عما يأتي بحثه في الجهة التالية من جواز تشريع الضرائب الضرورية التي ربما يحتاج إليها الأنظمة ووجوب إعطائها حفظا للنظام، بل احتمال دخولها حينئذ في عنوان الزكاة بناء على إحالة تعيين ما فيه الزكاة ومقدارها إلى ولاة العصر في كل صقع وزمان. وقد مر تفصيل ذلك في فصل الزكاة من هذا الكتاب، فراجع. (2)