ويمكن المناقشة في أصل وجود الاتفاق أيضا، إذ يظهر من بعض الكلمات عدم التزام الجميع في تلك الأعصار بحلية العشور ومشروعيتها إلا مع الشرط، بل يظهر منها أن أخذها كان أمرا منكرا عند الملتزمين بالموازين الشرعية.
قال أبو عبيد في كتاب الأموال:
" وجوه هذه الأحاديث التي ذكرنا فيها العاشر، وكراهة المكس والتغليظ فيه:
أنه قد كان له أصل في الجاهلية يفعله ملوك العرب والعجم جميعا فكانت سنتهم أن يأخذوا من التجار عشر أموالهم إذا مروا بها عليهم. يبين ذلك ما ذكرنا من كتب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن كتب من أهل الأمصار مثل ثقيف والبحرين ودومة الجندل وغيرهم ممن أسلم: أنهم لا يحشرون ولا يعشرون، فعلمنا بهذا أنه قد كان من سنة الجاهلية، مع أحاديث فيه كثيرة فأبطل الله ذلك برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالإسلام.
وجاءت فريضة الزكاة بربع العشر من كل مأتي درهم خمسة فمن أخذها منهم على فرضها فليس بعاشر، لأنه لم يأخذ العشر إنما أخذ ربعه... فإذا كان العاشر يأخذ الزكاة من المسلمين إذا أتوه بها طائعين غير مكرهين فليس بداخل في هذه الأحاديث، فإن استكرههم عليها (لم - ظ.) آمن أن يكون داخلا فيها وإن لم يزد على ربع العشر، لأن سنة الصامت خاصة أن يكون الناس فيه مؤتمنين عليه: من ذلك حديث مسروق الذي ذكرناه: قوله: لا أدري ما هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أبو بكر ولا عمر - كان حبلا يعترض به النهر يمنع السفن من المضي حتى تؤخذ منهم الصدقة فأنكر مسروق أن تؤخذ منهم على استكراه. وقد فسره حديث عمر بن عبد العزيز الذي ذكرناه: قوله: " من جاءك بصدقة فاقبلها، ومن لم يأتك بها فالله حسيبه. " وكذلك حديث عثمان: قوله: " ومن أخذنا منه لم نأخذ منه حتى يأتينا بها تطوعا ". " (1) وفي كتاب الأموال أيضا قبل ذلك:
" حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق أنه قال: " والله