إذ لو كان حكما فقهيا لم يكن قضاء من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بل كان هو واسطة في إبلاغه فقط.
وكذا ما في رواية عروة من قوله: " أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى: أن الأرض ارض الله والعباد عباد الله، ومن أحيا مواتا فهو أحق به "، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية طاووس: " ثم هي لكم مني " وفي رواية عن عائشة: " فهو له بعطية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). " وقول عروة بعد نقل الخبر عن عائشة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " قضى به عمر في خلافته " يدل أيضا على أن عروة كان يرى هذا حكما ولائيا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأراد أن يبين أن عمر أيضا حكم به في زمان خلافته.
وبالجملة وزان أخبار الباب وزان أخبار التحليل الواردة في الخمس والأنفال، فلا تنافي كون الأرض للإمام بل التحليل متفرع على كونها له ولا يحتاج حينئذ إلى تحصيل إذن جديد. هذا.
ولكن قد مر منا بالتفصيل أن الأنفال التي منها الأرض وما فيها من الجبال والمعادن الآجام والأنهار ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم، بل هي أموال عامة خلقها الله - تعالى - للأنام وعليها يتوقف نظام معاشهم ومعادهم، فلو قيل بانحصار الحكم الدولة الحقة في الامام المعصوم وأنه في عصر الغيبة لا إمامة ولا حكومة مشروعة بل هو عصر الهرج والمرج حتى يظهر صاحب الأمر (عليه السلام) فلا محالة كان على الأئمة (عليهم السلام) تحليل الأنفال لجميع البشر ولا أقل للمسلمين وبالأخص لشيعتهم، إذ لا يمكن حياتهم وبقاؤهم بدونها، وقد دلت الأخبار الكثيرة على تحليلهم حقوقهم لشيعتهم ليطيبوا.
وأما إذا قلنا بضرورة الحكومة في جميع الأعصار وأنها داخلة في نسج الإسلام نظامه، وأن الإسلام في نظام التشريع لم يترك المسلمين يعانون الفوضى والفتنة أو الأسر في أيدي الطواغيت والجبابرة، بل أوجب عليهم السعي في تأسيس حكومة صالحة عادلة فلا محالة يجب أن يكون اختيار الضرائب الإسلامية والأموال العامة بيد من يتصدى لها.
وقد مر شرائط الحاكم الإسلامي في خلال أبحاثنا الماضية.