فالملاك الذي أوجب جعل اختيار الأموال العامة بيد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام المعصوم هو بعينه يوجب جعلها تحت اختيار نوابهم في عصر الغيبة أيضا وإلا لما تيسر لهم إجراء حدود الإسلام وأحكامه وبسط العدالة الاجتماعية وقطع جذور الخلاف والخصام، لا يفرض نظام الحكم بلا نظام مالي.
فالأنفال وإن كانت محللة للشيعة أو للمسلمين ويجوز لهم إحياء الأرضين قطعا، لكن ذلك في الشرائط التي لا يتيسر لهم الاستيذان من حاكم صالح أو فيما إذا لم يحصل التحديد والمنع من قبل الحكومة الصالحة الحقة، وإلا لم يجز لهم التخلف من ضوابطها المقررة في الأموال العامة.
وإن شئت قلت: إن التحليل وجواز التصرف والإحياء محدود حينئذ تحت إطار موازين الدولة الحقة الصالحة ولا يجوز مع منعها بل يعتبر الإذن منها ولو بنحو عام.
وعمدة نظر الأئمة (عليهم السلام) كان تسهيل الأمر للشيعة عند الضرورة والاختناق وعدم تحقق الحكومة الصالحة فلا ينافي هذا وجوب الاستيذان من الحاكم الصالح المبسوط اليد إذا فرض وجوده.
وبعبارة أخرى نحن لا نأبى سعة ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام المعصوم بالنسبة إلى الأعصار اللاحقة أيضا، ويمكن صدور حكم ولائي مستمر منهما، ويوجد أمثاله في فقهنا أيضا كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا ضرر ولا ضرار " مثلا على احتمال. ولكن يحتاج هذا إلى دليل حالي أو مقالي متقن يدل على دوام الحكم واستمراره، وإلا فالظاهر من الحكم الولائي كونه محدودا بعصر الحاكم حيث إن مقتضيات الظروف والأزمان تختلف غالبا، الأحكام ليست جزافية بل تكون تابعة للمصالح والمفاسد، وعلى هذا الأساس لا نرى تهافتا بين الأحكام السلطانية المتضادة الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) في أعصار مختلفة. ومع الشك في التعميم والاستمرار لا بد أن يقتصر على القدر المتقين إذ لا يجوز التمسك بالإطلاق مع غلبة اختلاف الظروف والمصالح واحتمال وجود قرينة حالية تدل على التحديد.
وعلى هذا فلو سلم التعميم في أخبار التحليل والإحياء إجمالا للأعصار اللاحقة أيضا فالمتيقن منهما الأعصار المشابهة لعصرهم (عليهم السلام) من وجود الاختناق وعدم بسط