وفيه منع ذلك بل غايته الدلالة على الاقتضاء فقط. ولو سلم كان مقتضاه عدم الاشتراط في عصر الظهور أيضا لكونه مورد صدور هذه الأخبار وتخصيص المورد لا يصح، فالتفصيل بين العصرين لذلك فاسد جدا.
10 - وفي خراج أبي يوسف القاضي ما ملخصه مع التحفظ على ألفاظه:
" وقد كان أبو حنيفة يقول: من أحيا مواتا فهي له إذا أجازه الإمام. ومن أحيا أرضا مواتا بغير إذن الإمام فليست له وللإمام أن يخرجها من يده ويصنع فيها ما رأى.
قيل لأبي يوسف: ما ينبغي لأبي حنيفة أن يكون قد قال هذا إلا من شيء.
قال أبو يوسف: حجته في ذلك أن يقول: الإحياء لا يكون إلا بإذن الإمام، أرأيت رجلين أراد كل واحد منهما أن يختار موضعا واحدا، وكل منهما منع صاحبه أيهما أحق به؟ رأيت إن أراد رجل أن يحيي أرضا ميتة بفناء رجل فقال:
لا تحيها فإنها بفنائي وذلك يضرني، فإنما جعل أبو حنيفة إذن الإمام في ذلك فصلا بين الناس. وإذا منع الإمام أحدا كان ذلك المنع جائزا ولم يكن بين الناس التشاح في الموضع الواحد ولا الضرار فيه مع إذن الإمام ومنعه.
قال أبو يوسف: أما أنا فأرى إذا لم يكن فيه ضرر على أحد ولا لأحد فيه خصومة أن إذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جائز إلى يوم القيامة فإذا جاء الضرر فهو على الحديث: " وليس لعرق ظالم حق " (1) أقول: يظهر من ذيل كلام أبي يوسف أن أصل الاحتياج إلى الإذن كان مفروغا عنه بين الجميع، غاية الأمر أن أبا يوسف وأمثاله كانوا يكتفون بالإذن العام من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإحياء، وأبا حنيفة كان يقول بالاحتياج إلى الإذن الخاص في كل مورد من إمام المسلمين وسائسهم في عصر من يريد الإحياء.
ويظهر من كلام أبي يوسف أيضا أنه كان يرى روايات الإحياء بصدد الإذن الولائي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بيان حكم فقهي إلهي. ولعلنا أيضا نختار هذا في المآل كما سيأتي.