بحمايتهم والمدافعة عن حقوقهم وبدلا عن تكليفهم بأمر الدفاع والدخول في الجند والأمور العسكرية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المتعين من الأقوال الذي تشهد على صحته أمور كثيرة، هو الوجه الخامس، فانتظر حتى تعرف تلك الشواهد. ويمكن ارجاع وجهي الثالث والرابع إليه، لعدم فرق جوهري بين الوجوه الثلاثة.
وأما الوجه الأول، فلا يوجد له شاهد، لا من الكتاب ولا من السنة، بل يرده أمور:
1 - عقد الجزية ينعقد بالتراضي، فكيف يكون عقوبة وعذابا عليهم؟
قال الشيخ قدس سره: (الجزية لا تتم إلا بالتراضي) (1).
ونقل ابن العربي عن أصحاب الشافعي أنهم قالوا: (الدليل على أنها وجبت بدلا عن حقن الدم، وسكنى الدار، أنها تجب بالمعاقدة والتراضي، ولا تقف العقوبات على الاتفاق والرضا) (2).
2 - أن الجزية، كما يأتي، تختلف قدرها باليسار والاعسار، ويراعى تمكن أهل الذمة في كميتها، وهذا لا يناسب كونها عقوبة ولونا من العذاب.
3 - قدر الجزية كما يأتي قليل جدا بالنسبة إلى ما يجب على المسلمين من الحقوق الشرعية كالزكاة، مضافا إلى أن أهل الجزية غير مكلفين بأمر الدفاع والدخول في الجند، ويجب ذلك على المسلمين، وكل ذلك ينافي كون الجزية عقوبة.
وأما الوجه الثاني فهو أضعف وأبعد عن الواقع وحقيقة الإسلام بمراتب ولا يقبله المتأمل في المقاصد العالية من أحكام الشريعة النورانية، التي غايتها التربية الصالحة لنوع البشر، والبون واسع بين هذا القصد العظيم وبين أخذ ضريبة مالية لغرض الإهانة واذلال جمع يعيشون في ظل الحكومة الإسلامية!!