" واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك وألن لهم جانبك وآس في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك) (1).
إلى غير ذلك من القرائن التي تدل على المقصود.
ومن هنا قال الخطيب الشربيني - من علماء الشافعية -:
(هذه الهيئة - يعني هيئة الإهانة والاذلال - باطلة، لأنها لا أصل لها من السنة ولا نقل عن فعل أحد من السلف وحينئذ دعوى استحبابها أشد خطأ من دعوى جوازها، ودعوى وجوبها أشد خطأ من دعوى استحبابها) (2).
وأما الثالث والرابع من الوجوه، فقد عرفت امكان رجوعهما إلى الخامس الذي هو الحق المتعين في المقام، ولا مجال لانكاره بعد ملاحظة القرائن العديدة بنظرة الانصاف. وإليك جملة من تلك القرائن:
1 - قد عرفت في المبحث الأول من هذا الفصل أن الجزية ليست من مخترعات الإسلام ومحدثاته، لوجودها عند الأمم السابقة أيضا. فالنظرة الاجمالية في تاريخها يكشف عن علة وضعها. فلاحظ ما نقله ابن أثير من كلام كسرى أنوشروان في هذا المضمار:
(... فأما المقاتلة فإنهم يطلبون أجورهم من أهل الخراج وسكان البلدان لمدافعتهم عنهم ومجاهدتهم من ورائهم، فحق على أهل العمارة أن يوفوهم أجورهم فإن الأمارة والأمن والسلامة في النفس والمال لا يتم إلا بهم، ورأيت أن المقاتلة لا يتم لهم المقام والأكل والشرب وتثمير الأموال والأولاد إلا بأهل الخراج والعمارة، فأخذت للمقاتلة من أهل الخراج ما يقوم بأودهم وتركت على أهل الخراج من مستغلاتهم ما يقوم بمؤنتهم وعمارتهم ولم أجحف بواحد من