يهود جزيرة العرب على نحو ذلك. وما زالت الجزية بلا تعيين إلى آخر أيام أبي بكر، فلما تولى عمر وكثرت الفتوح عين مقدارها، فكتب إلى أمراء الأجناد يأمرهم أن يضربوا الجزية على كل من جرت عليه المواسي، وأن يجعلوها على أهل الفضة كل رجل أربعين درهما، وعلى أهل الذهب أربعة دنانير، وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مدان حنطة، وثلاثة أقساط زيتا كل شهر لكل انسان في الشام والجزيرة.
ثم تعدلت فتعينت باعتبار درجات الناس ومقدرتهم، فوضعوا على الظاهر الغني 48 درهما تدفع أقساطا 4 دراهم في كل ا شهر، وعلى أوسط الحال 24 درهما كل شهر درهمان، وعلى الفقير 12 درهما كل شهر درهم، ولا يؤخذ شئ من النساء والصبيان ولا من أهل العاهات ولا من الرهبان الذين لا يخالطون الناس، إلا البلاد التي عقدت شروط الجزية عليها باتفاق خاص.
كما عقد صلح مصر مع عمرو بن العاص، على أن يدفع القبط دينارين عن كل نفس شريفهم ووضيعهم ممن بلغ منهم الحلم، ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا على النساء شئ، وعليهم إضافة من ينزل عليهم من المسلمين ثلاثة أيام وغير ذلك.
وكثيرا ما يقدرون الجزية باعتبار ما يبقى في أيدي الناس من دخلهم بعد نفقاتهم، كما وقع لأهل الجزيرة بالعراق، فقد كان الذي فتحها عين جزيتهم دينارا على كل رأس، فلما تولى عبد الملك بن مروان استقل ذلك، فبعث إلى عامله هناك فأحصى الجماجم وجعل الناس كلهم عمالا بأيديهم. وحسب ما يكسب العامل سنته كلها، وطرح من ذلك نفقته في طعامه وأدمه وكسوته، وطرح أيام الأعياد في السنة كلها، فوجد الذي يحصل بعد ذلك أربعة دنانير لكل واحد، فألزمهم دفعها وجعل الناس طبقة واحدة) (1).