وهذه الدرجة ولاستقر الحق في مقره، ولا يدور إلا في مداره، وما تمكن الظالم من أعناقهم، وإضاعة حقوقهم وصاروا هم المرجع، في جميع شؤون المسلمين والمصدر لأمر الدنيا والدين، وجلسوا في سرير القضاوة والولاية، ونظروا في أمور الرعية وتصدوا نظام الأمة، وتكون مجاري الأمور بيدهم وتكامل الاجتماع منهم، كما أن الافتاء مخصوص بهم ولا مطمع فيه لغيرهم، ومن الأسف أن الأعداء أخذوا فتاويهم، وأجروا الأمور بأهوائهم وبالجملة ما روى من الإمام عليه السلام، من الكلمات الوزينة، والدر الثمينة، له ظهور تام في المقام من اثبات الولاية للفقهاء الكرام لا يتوهم أن الظاهر من الرواية، الوعد والبشارة لو كانت يده مبسوطة، بمعنى أنه عليه السلام بصدد بيان أن أصحابه لو أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، لكان الأمر مستقرا في يده، ثم ينصبهم لمجاري الأمور، وكأنه يقول عليه السلام: لو أطعتم الله و رسوله وجاهدتم، لاستقر الأمر في يدي ثم إني كنت أنصبكم للولاية والقضاوة وساير مصالح الأمة، إذا هو مدفوع بأن الظاهر من الرواية إن هذه فضيلة وكرامة من الله تعالى للعلماء، وحكم شرعي إلهي وتعيينه عليه السلام وجعله هذه المناصب لهم ليس مستندا بالأمر الشخصي والوعد الخصوصي، بل هو بيان الحكم الشرعي المجعول لهم من الله تعالى، لا حكم شخصي يتحقق بنفس الجعل كما يتفق لبعض العوام من الأمة لو نصبه الإمام لأمر من الأمور.
ومنها - المروى في العلل باسناده عن فضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قد تقدم في ولاية النبي والأئمة، وهو في بيان علل حاجة الأنام، إلى الولي والإمام، وأنه لأي جهة تعجب إطاعة أولي الأمر، قال عليه السلام بعد ذكر عدة من العلل الموجبة لوجوده في المجتمع الانساني. منها إن الخلق لما وقفوا على حد محدود، وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك، ولا يقوم، إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا، يمنعهم عن التعدي، و الدخول فيما خطر عليهم، لأنه إن لم يكن ذلك كك، لكان أحد لا يترك لذته