والظاهر منها أن عدة من الأمور مما لا بد منها في قوام الملة ونظم الرعية بحيث لولاها لاختل النظام، وفسدت معيشة الأنام، وتكثر الفتنة، ونزداد الحيرة وينجذم حبل الدين والدنيا، إذ ليست تلك الأمور مما يمكن صدوره من أي شخص، وفرد، بل لا بد في اجرائها من وجود الزعيم، وحكم القيم، الذي له الولاية على الرعية، والزعامة للأمة، ولهذا نرى في عيشنا، وفي كل مجتمع: إن طبقات الناس في منازعاتهم يرجعون في بدو الأمر إلى زعيمهم.
ولب الكلام في المقام، إن كل أمر يعد من شؤون الرياسة والحكومة، يعتبر فيه إذنه عليه السلام، وبه يقيد أيضا المطلقات الدالة على جواز التصدي لكل فرد، مثل قوله تعالى " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا " وهو إن كان مطلقا شاملا لكل من كان وليا لدم المقتول، فله أن يقود من القاتل وقتله بالقصاص، إلا أنه لا بد من تقييده والحكم باشتراط إذن الإمام في اجرائه، فإنه المفزع عند البلية، والمرجع عند النازلة، ولا يجوز لأحد البدار فيه إلا بعد إذن الزعيم والرئيس، مضافا إلى ما ورد في بعض النصوص من اعتبار إذنه عليه السلام، في مثل اجراء الحدود والتعزير، وبالجملة نفس جعل الولاية للإمام عليه السلام يقتضي اشتراط إذنه (عليه السلام) في الأمور العامة المجعولة لحفظ السياسة ونظم الأمة ولا يحتاج إلى دليل خاص، حتى يقيد به الاطلاقات الأولية، وإن ورد أيضا في بعض النصوص ثم إن البحث في اعتبار إذن الإمام في بعض الأمور، لا ينفع في زمن الحضور للتمكن من الوصول إلى الحجة فلو شك في شئ أنه يعتبر الإذن فيه أم لا فيرجع إلى الإمام ويسئل عنه ويرتفع الشك.
وأما في زمان الغيبة وعدم التمكن من الوصول إلى الإمام عليه السلام فينفع.
وملخص الكلام، إن بعض الأمور قد علم عدم دخالة الإذن من الإمام فيه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يعرفهما وهو واضح.