وإن تنزلنا عن ذلك نقول: إن الروايتين ليستا في مقام بيان كون الدم حيضا حتى يتمسك بإطلاقها، بل في مقام بيان أمر آخر وهو استقلال الحيض وعدمه.
ومنه يظهر الكلام في رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله المنقولة في أبواب العدد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة إذا طلقها زوجها متى تكون أملك بنفسها؟ قال:
إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة هي أملك بنفسها، قلت: فإن عجل الدم عليها قبل أيام قرئها؟ فقال: إذا كان الدم قبل عشرة أيام فهو أملك بها وهو من الحيضة التي طهرت منها، وإن كان الدم بعد العشرة أيام فهو من الحيضة الثالثة وهي أملك بنفسها.
(1) ضرورة أن المفروض رؤيتها الحيضتين ووقع الكلام في الدم الذي عجل بها، وكانت الشبهة لأجل التعجل بعد فرض حيضية الثاني بل حيضية الدم الذي رأته بعد الثانية، و إنما شبهته كانت في أن الدم إذا عجل عليها هل يوجب الخروج عن العدة أم لا؟ فأجاب بما أجاب، ففرض الحيضة الثانية مما لا إشكال فيه، فلا وجه للتمسك بإطلاقها لمدعاه كما مر الوجه فيه، هذا. وأما التمسك بقاعدة الامكان وأدلة الأوصاف فضعيف لما مر من عدم الدليل على القاعدة، وعلى فرض تمامها لا ترفع بها الشبهة الحكمية بل مصبها الشبهة الموضوعية، كما أن مصب الارجاع بالأوصاف عند الدوران بين الحيض والاستحاضة هو الشبهة الموضوعية لا الحكمية.
ثم إن ههنا أصولا موضوعية وحكمية مع الغض عن الأدلة كأصالة عدم كون المرأة حائضا، وأصالة عدم تحقق حيضها، وأصالة عدم كون الدم حيضا، و أصالة عدم حيضية الدم، والفرق بينها لا يكاد يخفى على المتأمل، فإن القضية المتيقنة في الأولى أن المرأة ليست بحائض بنحو الليس الرابط، فيتحقق بها موضوع الأدلة الاجتهادية التي رتب الحكم بها على من لم تكن حائضا، فمن لم تكن حائضا يجب عليها الصلاة، ويجوز لها اللبث في المسجد إلى غير ذلك، والاستصحاب محقق موضوعها، وفي الثانية تكون القضية المتيقنة عدم تحقق حيضها وعدم كون حيضها موجودا بنحو العدم المحمولي، ولا يترتب على هذا الاستصحاب ما تقدم من الآثار إلا على الأصل