وكيف كان فالتأمل في الروايات يورث القطع بعدم كونها في مقام إفادة القاعدة بل يمكن أن يدعى أن في أخبار جواز اجتماع الحمل والحيض ما يشهد بعدم اعتبار قاعدة الامكان للارجاع إلى الصفات، ففي صحيحة أبي المغرا: إن كان دما كثيرا فلا تصلين، وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل صولتين، (1) وفي موثقة إسحاق: إن كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاة (2) وفي رواية محمد بن مسلم: إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، وإن كان دما قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء. (3) فتحصل أن الاستدلال بهذه الروايات للقاعدة في غير محله.
ومنه يظهر حال ما دل على التحيض قبل وقت حيضها معللا بأنه ربما تعجل الوقت، وهو موثقة سماعة، قال: سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، فقال:
إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت.
فإن الظاهر أن قوله " ربما تعجل بها الوقت " ليس بصدد بيان أن مجرد احتمال التعجل موضوع للحكم بالحيضية، بل بصدد أن الدم المعهود للنساء إذا جرى قبل العادة فهو من الحيض ويكون من تعجل الوقت، فإن العادة في النساء ليست مضبوطة بالدقة بحيث لا تتقدم يوما أو يومين، بل كثيرا ما يتعجل الوقت فيكون من العادة بل يمكن دعوى إشعارها أو دلالتها بعدم اعتبار قاعدة الامكان، فإنها لو كانت معتبرة وكان كل دم يمكن أن يكون حيضا محكوما بالحيضية لم يكن وجه لتخصيص الحكم بما يصدق عليه عرفا عنوان تعجل الوقت، وقد حدده في بعض الروايات بيوم أو يومين، فالتقييد بذلك لأجل أمارية العادة للحيض لكن لا بمعنى أنها منضبطة بحيث لا تتقدم قليلا أو لا تتأخر كذلك، وبالجملة لا يستفاد من مثل تلك الرواية قاعدة الامكان.