كالمحكى عنهم ممن نزهنا كتابنا عن أخبارهم كصاحب الجواري والعذرة إنما كانوا كذلك لفساد مزاجهم بالاخلاط الخبيثة فطلبت المشاكلة كأكل الطين للوحمى وتصريح الشيخ في الشفاء بأن ذلك من تخيل آبائهم عند الانزال حيوانا شأنه ذلك معاضد لما ذكرنا لا أنه سبب مستقل. ثم الرائحة المدركة بهذه الآلة نوعان لا ثالث لهما طيب إما حار كالعنبر أو بارد كالورد. فان قيل قد قررتم في القواعد أن البرد لا رائحة معه فوجب التناقض. قلنا المراد بالبرد الساذج كالحجر لا المركب كالكافور وهذا النوع تختلف أجزاؤه بسيطة ومركبة فليعدل بها طبق المزاج المستعمل كالعنبر والعود البلغمي والآس والصندل الدموي والورد والخلاف الصفراوي والياسمين والنسرين لسوداوي وما ركب من ذلك المزاج كذلك وقد أسلفنا الغوالي والذرائر والطيوب في أبوابها فلتراجع. وأما الرائحة الخبيثة فتفريح النفس بالصون عنها فيكون عدميا ويجب عند ورودها على البدن لمن أراد حفظ الصحة استعمال السعوطات الجواذب كالخل والجندبادستر. واعلم أن في الشم قوة تدرك ما شأنه الادراك بالذوق كالحموضة والمرارة، فيجب استعماله أمام العطريات لتقوية العصب خصوصا عند إرادة استعمال حاد المزاج كالمسك أو جاذب الزكام كالورد فلتحرر هذه المقاييس لكمال اللذة ثم من أجل فوائد الرائحة تحريك الشاهية فإنها تملأ الأعصاب بالهواء لاقبال الجاذبة عليه كفعل فم المعدة عند أخذ الغذاء الطيب على شوق وذلك الهواء يسخن المنى بل الاخلاط كلها فينفصل الماء بنضج صحيح فيهيج ويليها الذكاء وقوة الفهم والحدث والتأمل خصوصا بما شاكل الروح في الغاية كالعنبر قالوا وأشد الأراييح ملاءمة وتفريحا ما كان أصله من الحيوان للمشاكلة كالزباد والمسك كما أن أوفق الأغذية اللحم إلا أنه صرح بخلاف ذلك حيث فضل العنبر على سائر الأراييح، وعندي أن هذا هو الأوجه لان ما أصله دم لابد وأن يتعفن ومن ثم كان أكل المسك يحدث البخار في المعدة وفى الزباد زنخة لا تفارقه إذا تأملت، ويمكن أن يجاب عن هذا بالفرق بين الاكل الواقع إلى البدن بجرمه والشم المصعد الخالص الاجزاء أو المكيف كما حققناه في الفلسفة. وأما استفادتها التفريح من طريق اللمس فمبنى على صحة العصب واعتدال اللحم المجعول عليه عاضدا حابسا لما به قوام التركيب من الغريزية وأفوى موضع دراك للملموسات السبابة ثم الراحة ثم الوسطى وأضعفها الخنصر، هذا وإن هذه الحاسة أكثر الحواس مدركات لأنها تدرك الكيفيات ثم فروع الطبخ من حرق وشى وقلى وخفة ونعومة وتغرية وتخلخل ولين إلى غير ذلك وقد بثت في سائر البدن لكونه بالأعصاب الحسية كما ستراه، ثم اختلفوا في أن المفرح من هذه هل هو مس النعومة أو الملامسة مطلقا أو الملائم منها أو سائر المدركات إذا اشتملت على نسب ملائمة أو المراد من الالتذاذ بها هو الجماع فقط أو إدراك الطعوم من هذه الحاسة خلاف صحة إدراك النعومة مطلقا والجماع لا الطعوم وإلا لم تكن الحواس خمسة، ثم ههنا قسم آخر من أعظم المفرحات بهذه الحاسة وهو التغميز بأكف الجواري الناعمات الحسان إذا تتابعت على البدن بنسب طبيعية تعم العضو من الوجوه الأربعة نزولا وصعودا على نسبة مس الخلط فيه وهو بهذه الكيفية منشط يذهب الكسل وما اجتمع من الخلط ويصفى اللون ويهيج الشاهية في الهرم حتى قال الشيخ لو أنجى من الموت شئ لكان التغميز ويجب أن يصحبه نحو الغوالي والزرائر الطيبة ليعظم بذلك نفعه. فان قيل قد رد هذا الفرع إلى لمس النعومة قلنا نعم ولكن على وجه مخصوص وإلا لم يحسن كون الجماع أيضا مفردا في هذا الباب، وأما الدلك الآني على وفق الأمزجة كبالخشن للمهزول ليجلب الدم إلى ظاهر البدن وتقوية الدلك في السمين
(٣١٦)