عن التصرف في التحليل الموجب لوهن الأعضاء وانقلبت الأرواح الحاملة عناية مجردة وأضرب لكسالى المبرسمة مثلا بالمرض المزاجي وكيف يمكث الشخص معه من غير قوت مدة لا يمكنه إقامة بعضها صحيحا وكذا من أقبل على تروحن وارتياض في نحو حساب. واعلم أن النفوس كلما كان استيلاؤها على ما ليس من شأنه الدخول تحت حيازتها لولا ما اختصت به من ضروب قاهرية كانت به أشد ابتهاجا ومن ثم كانت شدة لذة الملوك في الصيد لأنه من هذا القبيل ولهذا كانت الحكماء تحمل الملوك على ملازمة العقلاء والزهاد وأهل النظر في آثار صنع الله عز وجل لئلا تجذبهم العظمة إلى جبليات النفس المضيعة للرعايا نحو الكبر، فقد بان لك مما تقرر أن المفرحات وإن وردت على النفس من طرق عشرة أن أجناسها ثلاثة أعلاها جنس التفريح الحاصل للنفوس الملكية عند إذعانها لمفيضها المبدع لشهودها المخترع لوجودها وأنه غاية كل غاية وانطواؤها فيه على شريطة الفناء هو البقاء الأبدي ويليه جنس النفوس الحيوانية وأعلى أنواعه نفوس الملوك ودونهما جنس التفريح من جهة الطبيعيات كصرف العناية إلى الأغذية والأشربة التي غايتها صحة المزاج والجسم وتهييج القوى الحيوانية على نحو النكاح وأعلى أنواع هذا الجنس نفوس الشعراء فإنهم يستخدمون المخيلة في تحصيل مبتكرات المعاني مسبوكة في قوالب رائقة في السمع وأخس أنواعه نفوس تبتهج بخرافات السفسطة والخطابيات والشعريات كالنساء والصبيان. ثم إن التفريح كلما كان بحواس أكثر كان أعظم وكل حاسة عدمت مدركها عند البسط انقبض من النفس مقدار يقابلها فهذا غاية ما يليق من تحرير طرق التفريح الواصل إلى النفس في هذا المقام وعليها يتفرع الفرح بالحركات البدنية كالرياضة والجماع وطرق السماع وكل مبسوط في بابه. ولما كانت الحركات والطوارئ على هذا البدن ضرورية الورود وكانت موجبة لتحليل أجزائه وكان ذلك التحليل بحيث لو دام لأنهكه في مدة يسيرة وكانت القوى النفسية التي هي الأصل في هذا الهيكل مفتقرة مدة اعتلاقها به إلى مساعد وكان الممد لها في ذلك الحيوانية وهى من الطبيعية وهى من الغذاء في إخلاف ما تحلل وتقوية ما ضعف وحفظ الصحة والدواء في الأخير ودفع المرض ومنه في التفريح ولوازمه وكان النوعان المذكوران إما مفردات كاللحوم والحلاوات من الأول وأنواع الجواهر والنباتات من الثاني أو مركبات كالمطابيخ والمعاجين مثلا وكانت الأدوية على اختلاف أنواعها إما لمطلق الاصلاح وقد بسط كل في بابه أو لمجرد التفريح وهو الذي أردنا الآن تحرير الكفاية منه لا سيما ذكرنا من كل شئ أحسنه كما شرطنا فلنلخص من تراكيب المفرحات ما فيه بلاغ لذوي الذوق السليم وقانون لمن أراد القياس عليه واضح فنقول: لا شبهة في أن المفرحات كما سبق في القوانين يجب أن تكون طبق مزاج مستعملها مع قوة المشاكلة لنوع القوة التي عملت بصددها كما ذكرنا فان ذلك هو المطلوب وهذا راجع إلى الطبيب الحاضر إذ لا يمكن انحصاره فيدون وإنما المدون من كل مركب في كل كتاب إما جسد يفتقر إلى روح أو روح يفتقر إلى جسد أو روح وجسد طبق مزاج معتدل مطلقا في سائر الطوارئ يزيده الطبيب ما يناسب فعلى هذا لا طائل تحت قسمة المفرحات إلى حار وبارد ومعتدل وقسمة كل إلى ما يخص الملوك والمتوسطين والفقراء: إما أنه لا حاجة إلى التقسيم الأول فلما مر، وإما الثاني فان العقاقير النفيسة معلومة لا يتعاطاها إلا قادر عليها وترك غيره لها قسرا فالتنبيه على ذلك بديهي ثم من الناس من هو ملكي بالطبع وإن لم يكن بالفعل وهذا متى ظفر بما فيه صلاح بدنه بذله وإن عز وبالعكس. إذا عرفت هذا فلنضرب مثالين لما قسمناه يكونان كالميزان والقانون لسائر التراكيب:
(٣١٩)