استخدمت الحافظة ومخيلة مفكرة إذا استخدمت الخيال والأوهمة ومفكرة على رأى. ورابعها الواهمة وموضعها مقدم البطن الأخير وشأنها إدراك المعاني الجزئية كصداقة زيد وعداوة عمرو.
وخامسها الحافظة وموضعها مؤخره وشأنها حفظ ما استحكم فيها، وتتغير بما يرد عليها قاهرا من الاخلاط وأبخرتها فإن كانت رطبة انتقشت الأشياء وزالت بسرعة وصاحبها سريع الحفظ والنسيان أو يابسة فبالعكس وما ساعده الحل من المرتبتين ومن هذه القاعدة يتيسر علاج الشخص ليرد إلى أشرف المراتب أعنى سرعة الحفظ وعدم النسيان والبعد من عكسهما. قالوا: ومن المجرب المعروف في فساد الحافظة أن يدخل الشخص الحمام ثم يمتحن فيه نفسه فان زاد فيه حفظه فالمعاوق له لبرد واليبوسة وبالعكس. قلت وينبغي التفصيل في بيوته والمكث عند الماء يعرف طريان اليبس والحرارة وعكسه الشمس والرمل وهذا لمن لم يجد حكيما وهذه الحواس قد أنكرها جل الاسلاميين والشاهد في إثباتها غاياتها ونقص أفعالها بنقص أعضائها كقلة الحفظ بحجامة القفا آخر القذال عند رأس الدرز السهمي وفساد التصرف بفساد وسط القاعدة والخيال بمقدم الرأس ولا أدرى أي حكم شرعي يبطل إثباتها إلى الآن. ثم التفريح بهذه ينقسم بانقسام ما يدرك بها وحسب ميل النفوس فالتفريح من قبل الحافظة باستحضار الأشياء وقت حاجتها والاستغناء بها عن الدفاتر في موضع لا يمكن استصحابها ومن قبل الواهمة بصحة ترتيب المعاني وفرضها قبل حلولها والمتصرفة من جهة التفكر في دقيق العلوم خصوصا الأفلاك وتراكيبها ومتممات عطارد والجوزهرات وتمثيل كل كوكب وتدويره والدوائر إلى غير ذلك مما سيأتي تفصيله وما أبهج النفس عند استخلاص دقائق الازدياج وحلها وتقويم الأبقطيات والبهت وأحكام الخسوف والكسوف إذا صح حدسها في المساحة والاشكال ثم استخراج دقائق كسورات الحساب مثل أن ألفين وخمسمائة وعشرين تجمع الكسورات المنطقة وما شاكل هذا وأبهج من ذلك تقسيم الكرة وتخيل أجزاء الساعات وابتهاج المخيلة بصحة الحدس في استخراج آلات مخصوصة بصناعات مخصوصة كبعد ما بين النقطتين المتقابلتين على وجه التحقيق بالبيكار فإنه لم يتأت لشخص استخراج ما يعرف به البعد بين ما فرض بينهما ومن ثم قيل إن ابن مقلة مات يوم استخراجه فحين رؤى موته فجأة قال والده تصفحوا آلاته فانى أظنه استخرج شيئا لم يسبق إليه فنظروا فإذا البيكار ولا شك أن شدة الفرح تقتل إذا وردت بغتة وكذا الغم وسرور النفس من قبل الحس المشترك يعم ما ذكر ولذات العلوم أعظم من كل ما عد مستلذا فقد قيل إن العلامة الطوسي كان إذا استخرج دقيقة من دقائق العلوم قام فصفق وقال أين الملوك من هذه اللذات ولو علموها لقاتلونا عليها بالسيوف ومن نزه الله تعالى بصائرهم وصفى أفكارهم فعقلوا حفائق الكائنات مآلا فعدوها عدما محضا إلحاقا لمباديه بغاياته فتعجلوا نبذه ظهريا ومثلوا هذا الظهور طريقا والعمر مسافة أمروا بقطعها إلى أن يصلوا إلى المطالب فجدوا في السفر مخففين بقدر ما في إمكانهم فكان المفرح عند هؤلاء المبالغة في عدم الاعتداد بما في عالم الأغيار حتى قال أجل أساتذتهم للفقر لذات كلذات الغنى وهذه وإن عظمت فلا تخلو من المؤاخذة عند محققيهم وهكذا أهل كل صناعة يكون فرحهم بقدر ما يتوغلون في صناعتهم ومن ثم نقلت عن أهل الحقيقة أمور إذا سمعها بشر لم يعقل صحتها من مكث بعضهم ستين عاما لم يضع جنبه إلى الأرض وبعضهم يقتات بالثمرة شهرا فأكثر فهذه وأمثالها إن لم يعلم الشخص بأن القوى لها غذاء يختلف باختلافها لم يعقل ذلك فإنه لا شبهة في أن نفوسهم لشدة ما بهرها من الحب وجبذها من الشوق وقهرها من العظمة وقفت القوى الطبيعية