تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ١ - الصفحة ٣١٥
الحاسة بالذات هي الأضواء والألوان فلذلك اقتصر عليهما في غالب الكتب، والأضواء إما نارية أو نورانية والثانية أشد اختلاطا بالأرواح وتحصل غالبا لمن اشتد تجرده عن لوازم الحيوانات البهيمية واتخذ الرياضة مألفا كالحكماء القدسية. وأما الألوان فبسائطها عند الحكماء أبيض وأسود وزاد الأطباء منهم الأحمر والأصفر وبعضهم الأخضر أيضا وما عداها فمركب بالاجماع ثم لا شبهة أنها عدا الأسود مفرحة بالذات لمشاكلة بين نورانيتها وبين الأرواح فتصقل وتلطف وتصفى وأما هو فليس رديئا مطلقا بل قد يكون سببا لصحة البصر إذا فرقه البياض، وهذا تفريح بالعرض وأن أبهجها البياض حتى قيل إنه الحسن كله وأبسطها للحيوانية الأصفر والغضبية الأحمر والطبيعية الأخضر، ومن الأدلة على أفضلية هذه تلون نفائس المعادن بها كالذهب واللآلئ والزمرد وأن أفضل المركبات ما جمع البياض والحمرة المتساويين مع يسير صفرة ويلي ما ذكر من مدركات هذه الحاسة الحسن وقوام الشكل فان ذلك سبب خطير فيما ذكر بل هو أجل من الدواء في العلاج كما أثر عن أبقراط ثم السعة في المنازه وكثرة الأشجار والنبات، فان اشتمل ما ذكر على التناسب كما مر كان أولى سواء كان تناسبا صحيا كنظر البلغمي إلى الأنوار والصفرة والصفراوي إلى الماء والدموي إلى السواد والخضرة والسوداوي إلى الحمرة والماء قالوا ومن ثم لا يميل الأبيض كل الميل إلى ما شاكله وخصوصا في النكاح بل تجد الصقلبي إلى الحبشية أميل وهكذا أو نوعيا كابتهاج النساء باللآلئ والذهب والملابس دون السيوف وآلات الحرب وإن فضلت ألوانها والذكور بالعكس فإذا اعتبرت هذه المناسبات اشتد التفريح وانبساط القوى والإدراك وتدبير النفس لانطباق حد التفريح عليها حينئذ.
وأما صفة وصول ما يفرح إليها من طريق حاسة الشم فقد قررنا لك أن وصف جرم الآلة مخبوء إلى التشريح صونا لكتابنا عن المعادات فلنقرر كيفية الادراك الموجب لايصال الهواء الفاعل ثم هو فينتج التفريح. فنقول: لا مرية في إحاطة الهواء بالعنصريات وأنه ذو الرطوبة الأصلية والحرارة المحللة لها فيتكيف أسرع من الماء بعد تقرير هذه المقدمات ومن ثم يعسر التحرز عن الوباء لان المساكن وإن حرزت فقد تكيفت المأكولات بالهواء الفاسد ثم خالطت البدن. إذا عرفته فالحيوان من جملة الأجسام المذكورة وهو لا ينفك عن التنفس لاستدخال الهواء البارد واستخراج الحار فمهما تكيف به خالط البدن إذا صعد من المصفاة إلى الدماغ والقلب فيصفى ويعدل ويفتح ويخلخل ويفرح ويلطف ويفصل إن كان قد تكيف بما شأنه ذلك وإلا انعكس ومن ثم كان أبقراط في كل يوم يصعد على البيمارستان لينظر الهواء من أين يهب فينقل صاحب المرض الذي يعدى من محله وهذه أول خصلة بطلت في البيمارستان فطال ببطلانها المكث وقل البرء. إذا تقرر هذا فقد اختلف الحكماء في إيصال الرائحة إلى النفس هل ذلك بتحليل أجزاء من الجسم في الهواء تلطف حتى تشاكله أو بتكيف الهواء بتلك الكيفية؟ الأرجح الثاني وإلا نقص وزن الجسم واضمحل والتالي باطل فكذا المقدم وظهور الملازمة بديهي، على أن الشيخ مال إليه والمعلم إلى ما رجحناه. أما أبو سهل والرازي وجالينوس فقد قالوا إن كان الجسم كالورد والآس فالمذهب الأول وإلا الثاني وهذا إلى الهذيان أقرب؟ وأياما كان إذا اتصل الهواء مكيفا سر القلب والنفس وسرى الكرب واللبس لفعله ما ذكر من التلطيف وما معه من ذهاب ظلمة الخلط فعلى هذا يجب قبل طلب التفريح بالأراييح تنقية مجارى الهواء لان فعل الفاعل في القابل مشروط بعدم الممانعة وقد تقدم صفاء جوهر النفس فلا يفرحها إلا المشاكل لها وهو القسم الطيب من الرائحة، فبالضرورة إذا وجدنا ملتذا بالخبائث
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 المقدمة بحسب ما أسلفناه وفيها فصول: 4
3 فصل في تعداد العلوم وغايتها وحال هذا العلم معها 4
4 فصل ولما كان الطريق إلى استفادة العلوم إما الإلهام أو الفيض المنزل الخ 5
5 فصل وإذا قد عرفت المنزع والدستور في تقسيم العلوم فينبغي أن تعرف أن حال الطب معها على أربعة أقسام 7
6 فصل ينبغي لهذه الصناعة التعظيم والخضوع لمتعاطيها لينصح بذلها وكشف دقائقها 8
7 (الباب الأول في كليات هذا العلم والمدخل إليه 9
8 فصل وإذا كمل البدن مستتما بهذه الأمور صار حينئذ معروض أمور ثلاثة 13
9 فصل ومما يلحق بهذه الأسباب أمور تسمى اللوازم 15
10 فصل ومما يجري مجرى اللوازم الأحوال الثلاثة أعني الصحة والمرض والحالة المتوسطة 15
11 فصل ولما كانت هذه الأمراض قد تخفى على كثير كانت الحاجة مشتدة إلى إيضاحها الخ 16
12 فصل اعلم أن التناول أما فاعل بالمادة والكيفية ذاتا وعرضا وهو الغناء الخ 17
13 (الباب الثاني) في القوانين الجامعة لأحوال المفردات والمركبات الخ 19
14 فصل اعلم أن كل واحد من هذه المفردات والمركبات الخ 19
15 فصل وإنما كان التداوي والاغتذاء بهذه العقاقير للتناسب الواقع بين المتداوي والمتداوى به 20
16 الفصل الثاني في قوانين التركيب وما يجب فيه من الشروط والأحكام 30
17 (الباب الثالث) في ذكر ما تضمن الباب الثاني أصوله من المفردات والأقراباذينات 32
18 حرف الألف 33
19 حرف الباء 65
20 حرف التاء 90
21 حرف الثاء 100
22 حرف الجيم 102
23 حرف الحاء 113
24 حرف الخاء 135
25 حرف الدال 149
26 حرف الذال المعجمة 160
27 حرف الراء 164
28 حرف الزاي 172
29 جرف السين المهملة 185
30 حرف الشين 207
31 حرف الصاد 221
32 حرف الضاد المعجمة 225
33 حرف الطاء المهملة 229
34 حرف الظاء المعجمة 234
35 حرف العين المهملة 235
36 حرف الغين المعجمة 242
37 حرف الفاء 246
38 حرف القاف 253
39 حرف الكاف 265
40 حرف اللام 277
41 حرف الميم 286
42 حرف النون 326
43 حرف الهاء 334
44 حرف الواو 338
45 حرف الياء 340