الحاسة بالذات هي الأضواء والألوان فلذلك اقتصر عليهما في غالب الكتب، والأضواء إما نارية أو نورانية والثانية أشد اختلاطا بالأرواح وتحصل غالبا لمن اشتد تجرده عن لوازم الحيوانات البهيمية واتخذ الرياضة مألفا كالحكماء القدسية. وأما الألوان فبسائطها عند الحكماء أبيض وأسود وزاد الأطباء منهم الأحمر والأصفر وبعضهم الأخضر أيضا وما عداها فمركب بالاجماع ثم لا شبهة أنها عدا الأسود مفرحة بالذات لمشاكلة بين نورانيتها وبين الأرواح فتصقل وتلطف وتصفى وأما هو فليس رديئا مطلقا بل قد يكون سببا لصحة البصر إذا فرقه البياض، وهذا تفريح بالعرض وأن أبهجها البياض حتى قيل إنه الحسن كله وأبسطها للحيوانية الأصفر والغضبية الأحمر والطبيعية الأخضر، ومن الأدلة على أفضلية هذه تلون نفائس المعادن بها كالذهب واللآلئ والزمرد وأن أفضل المركبات ما جمع البياض والحمرة المتساويين مع يسير صفرة ويلي ما ذكر من مدركات هذه الحاسة الحسن وقوام الشكل فان ذلك سبب خطير فيما ذكر بل هو أجل من الدواء في العلاج كما أثر عن أبقراط ثم السعة في المنازه وكثرة الأشجار والنبات، فان اشتمل ما ذكر على التناسب كما مر كان أولى سواء كان تناسبا صحيا كنظر البلغمي إلى الأنوار والصفرة والصفراوي إلى الماء والدموي إلى السواد والخضرة والسوداوي إلى الحمرة والماء قالوا ومن ثم لا يميل الأبيض كل الميل إلى ما شاكله وخصوصا في النكاح بل تجد الصقلبي إلى الحبشية أميل وهكذا أو نوعيا كابتهاج النساء باللآلئ والذهب والملابس دون السيوف وآلات الحرب وإن فضلت ألوانها والذكور بالعكس فإذا اعتبرت هذه المناسبات اشتد التفريح وانبساط القوى والإدراك وتدبير النفس لانطباق حد التفريح عليها حينئذ.
وأما صفة وصول ما يفرح إليها من طريق حاسة الشم فقد قررنا لك أن وصف جرم الآلة مخبوء إلى التشريح صونا لكتابنا عن المعادات فلنقرر كيفية الادراك الموجب لايصال الهواء الفاعل ثم هو فينتج التفريح. فنقول: لا مرية في إحاطة الهواء بالعنصريات وأنه ذو الرطوبة الأصلية والحرارة المحللة لها فيتكيف أسرع من الماء بعد تقرير هذه المقدمات ومن ثم يعسر التحرز عن الوباء لان المساكن وإن حرزت فقد تكيفت المأكولات بالهواء الفاسد ثم خالطت البدن. إذا عرفته فالحيوان من جملة الأجسام المذكورة وهو لا ينفك عن التنفس لاستدخال الهواء البارد واستخراج الحار فمهما تكيف به خالط البدن إذا صعد من المصفاة إلى الدماغ والقلب فيصفى ويعدل ويفتح ويخلخل ويفرح ويلطف ويفصل إن كان قد تكيف بما شأنه ذلك وإلا انعكس ومن ثم كان أبقراط في كل يوم يصعد على البيمارستان لينظر الهواء من أين يهب فينقل صاحب المرض الذي يعدى من محله وهذه أول خصلة بطلت في البيمارستان فطال ببطلانها المكث وقل البرء. إذا تقرر هذا فقد اختلف الحكماء في إيصال الرائحة إلى النفس هل ذلك بتحليل أجزاء من الجسم في الهواء تلطف حتى تشاكله أو بتكيف الهواء بتلك الكيفية؟ الأرجح الثاني وإلا نقص وزن الجسم واضمحل والتالي باطل فكذا المقدم وظهور الملازمة بديهي، على أن الشيخ مال إليه والمعلم إلى ما رجحناه. أما أبو سهل والرازي وجالينوس فقد قالوا إن كان الجسم كالورد والآس فالمذهب الأول وإلا الثاني وهذا إلى الهذيان أقرب؟ وأياما كان إذا اتصل الهواء مكيفا سر القلب والنفس وسرى الكرب واللبس لفعله ما ذكر من التلطيف وما معه من ذهاب ظلمة الخلط فعلى هذا يجب قبل طلب التفريح بالأراييح تنقية مجارى الهواء لان فعل الفاعل في القابل مشروط بعدم الممانعة وقد تقدم صفاء جوهر النفس فلا يفرحها إلا المشاكل لها وهو القسم الطيب من الرائحة، فبالضرورة إذا وجدنا ملتذا بالخبائث