تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ١ - الصفحة ٣١٧
فمصحح لا مفرح، وقد يقع التفريح بلمس ما من شأنه أن يورث غنى كلمس الذهب والفضة والياقوت إذا كان ذلك مركوزا في ذهن اللامس ومنه النوم على الحرير وما في معناه من غير اشتراك مناسبة لمجرد التفريح هنا. وأما وصول الفرح إلى النفس من قبل الذوق، فقد أجمعوا على أن الادراك بالعضل الأول من جرم اللسان لان الأعصاب الحسية قد بثت فيه بخلاف الداخل إذ ليس فيه منها شئ قبل ويغالب اللثة لما فيها من فروع تلك الأعصاب، وأن النفوس لا بقاء لها بدون الأغذية الحافظة للصحة وأن تحرير إدراك الطعوم وهو بانبساط المدرك من كيفيات الطعوم في جرم اللسان وغوصه بمساعدة الرطوبة اللعابية فعلى هذا يكون المفرح منها كل ما لطف وعظم غوصه وأخذ وقت حاجة شديدة لفرح النفس به وشوقها إليه وخصوصا إذا ناسب المزاج لدفع علة أو حفظ صحة والطعوم من فعل اللطيف والكثيف والمعتدل وفعل الحرارة في كل منها فلا سيما كانت تسعة كما سبق تحقيقه إلا أن المفرح منها عند الجل هو الحلو خاصة لصداقة بينه وبين الأعضاء فلو أن شخصا أخذه فوق عشرة أطعمة ثم أخرجها بالقئ كان آخر خارج لان المعدة تجتذبه إليها وكذا الكبد وهذا دليل الملاءمة والصحيح أن المفرح منها ما ناسب لذيذا وهذا يوجد في الحامض ولكنه لا لمطلق الأمزجة بل للصفراوي أو وحمى لحرافة الخلط واحتراق باقي الحيض، لا يقال هذا مستلذ على غير القياس فلا يعد لأنا نقول لا شبهة في تلطيفه الخلط وتنبيهه الشاهية لصدق الميل بعده إلى الحلاوة والدسومة وإنما المستلذ بلا تفريح نحو الطين مما سبق ذكره في قصة صاحب الجواري لزيادة خبث الخلط به. واعلم أن هذه الحاسة هي أشرف الحواس في هذا الباب لان منها نشوة الخلط والسمن والصحة ونحو ذلك لتأدى الغذاء والمشروب والأدوية منها. لا يقال ذلك يحصل مع فقدانها كما يشهد بذلك الافعال الصادرة منا على سبيل الحيلة في تخفيف الذوق، ألا ترى أنا إذا طلبنا من شخص تناول بشع كالإطريفال احتلنا على تقليل حس الذوق بمضغ نحو ورق العناب والعاقر قرحا والرهشة، لأنا نقول المفرح والمسمن وما يبسط النفس إنما هو المستلذ ذوقا المولد للاخلاط الصحيحة ولا شئ من ذلك فيما ذكرتم من الأدوية البشعة فستر الذوق عنها أولى وقد صرح جالينوس بأنه لو قطع رأس اللسان لم يمر الطعام والشراب على صاحبه لعدم اللذة الباعثة على انعطاف الهواضم على الغذاء، ومن ثم ذكرناها آخر الظاهرة والمدرك بها قد انحصر فيما علمت من الطعوم خاصة خلافا لديمقراطيس فإنه يعد الكيفيات الأربعة من مدركاتها وكأنه ذهل عن جواز اشتراك اللمس مع الذوق فهذا ما يجب تحريره هنا من تصريف الحواس الظاهرة. وأما وصول الفرح والسرور والابتهاج إليها من قبل الحواس الباطنة فأشد فعلا وأقوى عملا وأدخل لقوة المشاكلة في التجرد وقرب المدرك من المدرك به وهو من أعظم الأدلة على صحة الوحي السماوي. وقد وقع الاجماع على أن إحساس النفس بالملائم والمنافي بعد مفارقة البدن أشد وأقوى للتخلي له فيكون الادراك بالباطنة أقوى لشبهها عند خلوها بهذه الحواس حالة المفارقة وهى أيضا خمسة. أحدها نيطيسيا يعنى الحس المشترك وموضعه مقدم البطن الأول من ثلاثة أبطن الدماغ وفعله إدراك ما يتأدى من الخمس بعد غيبتها كما يستحضر في الذهن خس العود ولون الذهب ورائحة العنبر ونعومة الحرير وطعم العسل ولولا هذه الحاسة لم نعرف شيئا من ذلك إلا حال مباشرته. وثانيها الخيال وموضعها مؤخر البطن المذكور فتنتقش فيها صور الأشياء وكأن الأولى خزانة لها. وثالثها المتصرفة وموضعها البطن الثاني وهو الوسط ويعرف بالازج وشأنها التصريف في التحليل والتركيب وباعتبارها تتغير مراتب النفس فتكون ناطقة إذا
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 المقدمة بحسب ما أسلفناه وفيها فصول: 4
3 فصل في تعداد العلوم وغايتها وحال هذا العلم معها 4
4 فصل ولما كان الطريق إلى استفادة العلوم إما الإلهام أو الفيض المنزل الخ 5
5 فصل وإذا قد عرفت المنزع والدستور في تقسيم العلوم فينبغي أن تعرف أن حال الطب معها على أربعة أقسام 7
6 فصل ينبغي لهذه الصناعة التعظيم والخضوع لمتعاطيها لينصح بذلها وكشف دقائقها 8
7 (الباب الأول في كليات هذا العلم والمدخل إليه 9
8 فصل وإذا كمل البدن مستتما بهذه الأمور صار حينئذ معروض أمور ثلاثة 13
9 فصل ومما يلحق بهذه الأسباب أمور تسمى اللوازم 15
10 فصل ومما يجري مجرى اللوازم الأحوال الثلاثة أعني الصحة والمرض والحالة المتوسطة 15
11 فصل ولما كانت هذه الأمراض قد تخفى على كثير كانت الحاجة مشتدة إلى إيضاحها الخ 16
12 فصل اعلم أن التناول أما فاعل بالمادة والكيفية ذاتا وعرضا وهو الغناء الخ 17
13 (الباب الثاني) في القوانين الجامعة لأحوال المفردات والمركبات الخ 19
14 فصل اعلم أن كل واحد من هذه المفردات والمركبات الخ 19
15 فصل وإنما كان التداوي والاغتذاء بهذه العقاقير للتناسب الواقع بين المتداوي والمتداوى به 20
16 الفصل الثاني في قوانين التركيب وما يجب فيه من الشروط والأحكام 30
17 (الباب الثالث) في ذكر ما تضمن الباب الثاني أصوله من المفردات والأقراباذينات 32
18 حرف الألف 33
19 حرف الباء 65
20 حرف التاء 90
21 حرف الثاء 100
22 حرف الجيم 102
23 حرف الحاء 113
24 حرف الخاء 135
25 حرف الدال 149
26 حرف الذال المعجمة 160
27 حرف الراء 164
28 حرف الزاي 172
29 جرف السين المهملة 185
30 حرف الشين 207
31 حرف الصاد 221
32 حرف الضاد المعجمة 225
33 حرف الطاء المهملة 229
34 حرف الظاء المعجمة 234
35 حرف العين المهملة 235
36 حرف الغين المعجمة 242
37 حرف الفاء 246
38 حرف القاف 253
39 حرف الكاف 265
40 حرف اللام 277
41 حرف الميم 286
42 حرف النون 326
43 حرف الهاء 334
44 حرف الواو 338
45 حرف الياء 340