فمصحح لا مفرح، وقد يقع التفريح بلمس ما من شأنه أن يورث غنى كلمس الذهب والفضة والياقوت إذا كان ذلك مركوزا في ذهن اللامس ومنه النوم على الحرير وما في معناه من غير اشتراك مناسبة لمجرد التفريح هنا. وأما وصول الفرح إلى النفس من قبل الذوق، فقد أجمعوا على أن الادراك بالعضل الأول من جرم اللسان لان الأعصاب الحسية قد بثت فيه بخلاف الداخل إذ ليس فيه منها شئ قبل ويغالب اللثة لما فيها من فروع تلك الأعصاب، وأن النفوس لا بقاء لها بدون الأغذية الحافظة للصحة وأن تحرير إدراك الطعوم وهو بانبساط المدرك من كيفيات الطعوم في جرم اللسان وغوصه بمساعدة الرطوبة اللعابية فعلى هذا يكون المفرح منها كل ما لطف وعظم غوصه وأخذ وقت حاجة شديدة لفرح النفس به وشوقها إليه وخصوصا إذا ناسب المزاج لدفع علة أو حفظ صحة والطعوم من فعل اللطيف والكثيف والمعتدل وفعل الحرارة في كل منها فلا سيما كانت تسعة كما سبق تحقيقه إلا أن المفرح منها عند الجل هو الحلو خاصة لصداقة بينه وبين الأعضاء فلو أن شخصا أخذه فوق عشرة أطعمة ثم أخرجها بالقئ كان آخر خارج لان المعدة تجتذبه إليها وكذا الكبد وهذا دليل الملاءمة والصحيح أن المفرح منها ما ناسب لذيذا وهذا يوجد في الحامض ولكنه لا لمطلق الأمزجة بل للصفراوي أو وحمى لحرافة الخلط واحتراق باقي الحيض، لا يقال هذا مستلذ على غير القياس فلا يعد لأنا نقول لا شبهة في تلطيفه الخلط وتنبيهه الشاهية لصدق الميل بعده إلى الحلاوة والدسومة وإنما المستلذ بلا تفريح نحو الطين مما سبق ذكره في قصة صاحب الجواري لزيادة خبث الخلط به. واعلم أن هذه الحاسة هي أشرف الحواس في هذا الباب لان منها نشوة الخلط والسمن والصحة ونحو ذلك لتأدى الغذاء والمشروب والأدوية منها. لا يقال ذلك يحصل مع فقدانها كما يشهد بذلك الافعال الصادرة منا على سبيل الحيلة في تخفيف الذوق، ألا ترى أنا إذا طلبنا من شخص تناول بشع كالإطريفال احتلنا على تقليل حس الذوق بمضغ نحو ورق العناب والعاقر قرحا والرهشة، لأنا نقول المفرح والمسمن وما يبسط النفس إنما هو المستلذ ذوقا المولد للاخلاط الصحيحة ولا شئ من ذلك فيما ذكرتم من الأدوية البشعة فستر الذوق عنها أولى وقد صرح جالينوس بأنه لو قطع رأس اللسان لم يمر الطعام والشراب على صاحبه لعدم اللذة الباعثة على انعطاف الهواضم على الغذاء، ومن ثم ذكرناها آخر الظاهرة والمدرك بها قد انحصر فيما علمت من الطعوم خاصة خلافا لديمقراطيس فإنه يعد الكيفيات الأربعة من مدركاتها وكأنه ذهل عن جواز اشتراك اللمس مع الذوق فهذا ما يجب تحريره هنا من تصريف الحواس الظاهرة. وأما وصول الفرح والسرور والابتهاج إليها من قبل الحواس الباطنة فأشد فعلا وأقوى عملا وأدخل لقوة المشاكلة في التجرد وقرب المدرك من المدرك به وهو من أعظم الأدلة على صحة الوحي السماوي. وقد وقع الاجماع على أن إحساس النفس بالملائم والمنافي بعد مفارقة البدن أشد وأقوى للتخلي له فيكون الادراك بالباطنة أقوى لشبهها عند خلوها بهذه الحواس حالة المفارقة وهى أيضا خمسة. أحدها نيطيسيا يعنى الحس المشترك وموضعه مقدم البطن الأول من ثلاثة أبطن الدماغ وفعله إدراك ما يتأدى من الخمس بعد غيبتها كما يستحضر في الذهن خس العود ولون الذهب ورائحة العنبر ونعومة الحرير وطعم العسل ولولا هذه الحاسة لم نعرف شيئا من ذلك إلا حال مباشرته. وثانيها الخيال وموضعها مؤخر البطن المذكور فتنتقش فيها صور الأشياء وكأن الأولى خزانة لها. وثالثها المتصرفة وموضعها البطن الثاني وهو الوسط ويعرف بالازج وشأنها التصريف في التحليل والتركيب وباعتبارها تتغير مراتب النفس فتكون ناطقة إذا
(٣١٧)