* (الباب الثاني في القوانين الجامعة لأحوال المفردات والمركبات) * وما ينبغي لكل منهما ونتكلم عليه بقول كلي إذ التفصيل موكول إلى الحروف المرتبة بعد ويشتمل هذا الباب على فصلين (الأول) في أحوال المفردات والمركبات وما ينبغي أن تكون عليه. اعلم أن هذا الفن هو الفن الأعظم والعمدة الكبرى في هذه الصناعة والجاهل به مقلد لا يجوز الركون إليه ولا الوثوق به ولا في أمر نفسه لاحتمال أن يأكل السم ولم يدر فان بعض المفردات في أشخاصها نفسها منها ما هو سم كالأسود من الغاريقون والأغبر من الجندبادستر والأزرق من الحلتيت إلى غير ذلك ولا شبهة في أن الجاهل بالمفردات متعذر عليه التركيب لقلة من يوثق به بل لعدمه الآن فعليك بالاجتهاد في تحرير هذا الفن وتركيبه وتحقيقه وتهذيبه والناس تظن أن معرفته لا تتم إلا بالوقوف على النبات في سائر حالاته العارضة له من يوم طلوعه إلى وقت قطعه ولعمرى هذا ليس بلازم لسهولة الوصول إلى سائر المفردات بما عدا السمع من الحس وخصوصا في زماننا هذا فقد أتقن السلف رحمهم الله تعالى ذلك حتى وجدناه مهذبا مرتبا فنحن كالمقتبسين من تلك المصابيح ذبالة والمغترفين من تلك؟؟ بلالة، وأول من ألف شمل هذا النمط وبسط للناس فيه ما انبسط ديسقريدوس اليوناني في كتابه الموسوم بالمقالات في الحشائش ولكنه لم يذكر إلا الأقل حتى إنه أغفل ما كثر تداوله وامتلا الكون بوجوده كالكمون والسقمونيا والغاريقون ثم روفس فكان ما ذكره قريبا من كلام الأول ثم فولس فاقتصر على ما يقع في الاكحال خاصة على أنه أخل بمعظمها كاللؤلؤ والأثمد ثم أندروماخس الأصغر فذكر مفردات الترياق الكبير فقط ثم رأس البغل الملقب بجالينوس وهو غير الطبيب المشهور فجمع كثيرا من المفردات ولكنه لم يذكر إلا المنافع خاصة دون باقي الأحوال ولم أعلم من الروم مؤلفا غير هؤلاء ثم انتقلت الصناعة إلى أيدي النصارى فأول من هذب المفردات اليونانية ونقلها إلى اللسان السرياني دويدرس البابلي ولم يزد على ما ذكروه شيئا حتى أتى الفاضل المعرب والكامل المجرب إسحق بن حنين النيسابوري، فعرب اليونانيات والسريانيات وأضاف إليها مصطلح الأقباط لأنه أخذ العلم عن حكماء مصر وأنطاكية واستخرج مضار الأدوية ومصلحاتها ثم تلاه ولده حنين ففصل الأغذية من الأدوية فقط ولم أعلم من النصارى من أفرد هذا الفن غير هؤلاء وأما النجاشعة فلهم كثير من الكناشات ثم انتقلت الصناعة إلى الاسلام وأول واضع فيها الكتب من هذا القسم الإمام محمد بن زكريا الرازي ثم مولانا الفرد الأكمل والمتبحر الأفضل الأمثل الحسين بن عبد الله بن سينا رئيس الحكماء فضلا عن الأطباء فوضع الكتاب الثاني من القانون وهو أول من مهد لكل مفرد سبعة أشياء وأخل بالأغلب إما لاشتغال باله أو لعدم مساعدة الزمان له ثم ترادفت المصنفون على اختلاف أحوالهم فوضعوا في هذا الفن كتبا كثيرة من أجلها مفردات ابن الأشعث وأبي حنيفة والشريف بن الجزار والصائغ وجرجس بن يوحنا وأمين الدولة وابن التلميذ وابن البيطار وصاحب مالا يسع وأجل هؤلاء الكتب الكتاب الموسوم بمنهاج البيان صناعة الطبيب الفاضل يحيى بن جزلة رحمه الله تعالى فقد جمع المهم من قسمي الافراد والتركيب في ألطف قالب وأحسن ترتيب. وأظن أن آخر من وضع في هذا الفن الحاذق الفاضل محمد بن علي الصوري، وكل من هؤلاء لم يخل كتابه مع ما فيه من الفوائد عن إخلال بالجليل من المقاصد إما ببدل أو إصلاح أو تقدير أو إطلاق للمنفعة وشرطها التقييد ككي الثآليل بعود التين والشرط أن يكون ذكرا ونفع البنج للأسنان والشرط أن يكون في غير فارس فإنه سم هناك وبالعكس كقولهم في دهن النفط إنه يحلل الأورام طلاء والحال أنه يحلل الأورام
(١٩)