تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ١ - الصفحة ٥
بعض أجزائها كالمعميات والمصمات فإذا لم يكن العارف به أمينا متصفا بالنواميس الإلهية حاكما على عقله قاهرا لشهوات نفسه أنفذ أغراض هواه وبلغ من عدوه مناه، ومتى كان عاقلا دله ذلك على أن الانتصار للنفس من الشهوات البهيمية والصبر والتفويض للمبدع الأول من الأخلاق الحكمية النبوية حتى جاء أبقراط فبذله للأغراب فحين خرج عن آل اسقلميوس توسع فيه الناس حتى تعاطاه أراذل العالم كجهلة اليهود فرذل بهم ولم يشرفوا به، وهذا لعمري قول الحكيم الفاضل أفلاطون حيث قال:
الفضائل تستحيل في النفوس الرذلة رذائل كما يستحيل الغذاء الصالح في البدن الفاسد إلى الفساد، هذا على أنه قد يكون لباذل العلم مقصد حسن فلم يؤاخذه الله بما امتهنه بناء على قول صاحب الوجود عليه أفضل الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات) فقد نقل إلينا أن أبقراط عوتب في بذله الطب للأغراب، فقال رأيت حاجة الناس إليه عامة، والنظام متوقف عليه، وخشيت انقراض آل اسقلميوس ففعلت ما فعلت، ولعمرى قد وقع لنا مثل هذا فانى حين دخلت مصر ورأيت الفقيه الذي هو مرجع الأمور الدينية يمشى إلى أوضع يهودي للتطبب به فعزمت على أن أجعله كسائر العلوم يدرس ليستفيده المسلمون فكان في ذلك وبالى ونكد نفسي وعدم راحتي من سفهاء لازموني قليلا ثم تعاطوا التطبب فضروا الناس في أبدانهم وأموالهم وأنكروا الانتفاع بي وأفحشوا في أفاعيلي أسأل الله مقابلتهم عليها، على أنى لا أقول بأني وأبقراط سالمان من اللوم حيث لم نتبصر، فيجب على من أراد ذلك، التبصر والاختبار والتجارب والامتحان فإذا خلص له شخص بعد ذلك منحه لتخف الضرورة وكذا وقع في أحكام النجوم حتى قال الشافعي رضي الله عنه: علمان شريفان وضعهما ضعة متعاطيهما الطب والنجوم. ولمزيد حرص القدماء على حراسة العلوم وحفظها اتفقوا على أن لا تعلم إلا مشافهة ولا تدون لئلا تكثر الآراء فتذبل الأذهان عن تحريرها اتكالا على الكتب. قال المعلم الثاني في جامعه واستمر ذلك إلى أن انفرد المعلم الأول بكمال الكمالات فشرع في التدوين فهجره أستاذه أفلاطون على ذلك فاعتذر عنده عن فعله وأوقفه على ما دون فإذا هو يكتفى بأدنى إشارة فيأتي غالبا بالدلالة اللزومية دون أختيها وتارة بكبرى القياس إذا أرشدت إلى المطلوب وأخرى بأحد الجزأين الأخيرين. وقال إن الحامل له على ذلك حلول الهرم وفتور الذهن وذهاب الحدس عند انحلال الغريزية فيكون ذلك تذكرة ولمن اختار الله تبصرة فصوب رأيه وكل ذلك من البراهين القائمة على شرف العلم.
* (فصل) * ولما كان الطريق إلى استفادة العلوم: إما الالهام أو الفيض المنزل في النفوس القدسية على مشاكلاتها من الهياكل الإلهية أو التجربة المستفادة بالوقائع أو الأقيسة كانت قسمة العلوم ضرورية إلى ضروري ومكتسب وقياسي خيلته التصورات في الأقوال وهى مواد النتائج التي هي الغايات فلا جرم جعل أولا إما تصورا وهو حصول الصورة في الذهن أو تصديقا وهو الحكم أو العلم به على تلك الصورة بإيقاع أو انتزاع ومواد الأول أقسام الألفاظ والدلالات والكليات الخمس، والأقوال الشارحة بقسمي الحد والرسم. ومواد الثاني أقسام القضايا إلى حمل وشرط ومحمول ومعدول وموجهات وتعاكس وقياس وشروط ونتائج إما يقينية أو غيرها من التسعة. والمتكفل بهذا هو المنطق وهل هو من مجموع الحكمة أو أحد جزأيها أو آلة لها؟ خلاف، الأصح التفصيل كما اختاره العلامة في شرح الإشارات (والحصر الثاني) أن يقال: إن العلم إما مقصود لذاته وهو تكميل النفس في قوتها العلمية: أي النظرية
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 المقدمة بحسب ما أسلفناه وفيها فصول: 4
3 فصل في تعداد العلوم وغايتها وحال هذا العلم معها 4
4 فصل ولما كان الطريق إلى استفادة العلوم إما الإلهام أو الفيض المنزل الخ 5
5 فصل وإذا قد عرفت المنزع والدستور في تقسيم العلوم فينبغي أن تعرف أن حال الطب معها على أربعة أقسام 7
6 فصل ينبغي لهذه الصناعة التعظيم والخضوع لمتعاطيها لينصح بذلها وكشف دقائقها 8
7 (الباب الأول في كليات هذا العلم والمدخل إليه 9
8 فصل وإذا كمل البدن مستتما بهذه الأمور صار حينئذ معروض أمور ثلاثة 13
9 فصل ومما يلحق بهذه الأسباب أمور تسمى اللوازم 15
10 فصل ومما يجري مجرى اللوازم الأحوال الثلاثة أعني الصحة والمرض والحالة المتوسطة 15
11 فصل ولما كانت هذه الأمراض قد تخفى على كثير كانت الحاجة مشتدة إلى إيضاحها الخ 16
12 فصل اعلم أن التناول أما فاعل بالمادة والكيفية ذاتا وعرضا وهو الغناء الخ 17
13 (الباب الثاني) في القوانين الجامعة لأحوال المفردات والمركبات الخ 19
14 فصل اعلم أن كل واحد من هذه المفردات والمركبات الخ 19
15 فصل وإنما كان التداوي والاغتذاء بهذه العقاقير للتناسب الواقع بين المتداوي والمتداوى به 20
16 الفصل الثاني في قوانين التركيب وما يجب فيه من الشروط والأحكام 30
17 (الباب الثالث) في ذكر ما تضمن الباب الثاني أصوله من المفردات والأقراباذينات 32
18 حرف الألف 33
19 حرف الباء 65
20 حرف التاء 90
21 حرف الثاء 100
22 حرف الجيم 102
23 حرف الحاء 113
24 حرف الخاء 135
25 حرف الدال 149
26 حرف الذال المعجمة 160
27 حرف الراء 164
28 حرف الزاي 172
29 جرف السين المهملة 185
30 حرف الشين 207
31 حرف الصاد 221
32 حرف الضاد المعجمة 225
33 حرف الطاء المهملة 229
34 حرف الظاء المعجمة 234
35 حرف العين المهملة 235
36 حرف الغين المعجمة 242
37 حرف الفاء 246
38 حرف القاف 253
39 حرف الكاف 265
40 حرف اللام 277
41 حرف الميم 286
42 حرف النون 326
43 حرف الهاء 334
44 حرف الواو 338
45 حرف الياء 340