له أهمية الحياة الدنيا من حيث إنها مجال لا حراز المصائر، وبالتالي يدرك جيدا أن السعي إلى البحث عن سبيل السلام واجب، يحتمه عليه خطورة ما يؤول إليه مصيره الخاص في تلك الحياة التي لا فرصة فيها لإصلاح ما فسد، ولا عودة فيها للبدء من جديد.
فالحياة الدنيا - وهي مجال لأداء هذا الواجب ومنطلق لذاك المصير - ليست مجالا لاكتساب أعمال قد أحيطت بالظنون وطوقت بالأوهام، إذا أنها حياة - وهي تؤدي إلى مصير كهذا قطعا - لا تحتمل ذلك لمحدوديتها وقصرها، فلا بد إذا أن يكون كل فعل يكتسب فيها مؤسسا على اليقين والحق، والفعل الذي يبعث الاطمئنان على النتائج فتأسيس هذه الحياة على الظن والأوهام لا ينتهي إلا إلى هذين. إن أهمية الحياة الدنيا من هذا الحيث لا تقل شيئا عن أهمية الحياة الأخرى، إذ لا بد للإنسان أن يبعد عن حياته هذه كل ما من شأنه أن يباعد بينه وبين السعادة الأبدية في تلك الحياة التي تقوم على أساس اليقين، بل عين اليقين. وهذا هو أصل السعادة وأساس الفوز في الحياة الآخرة.
والسنخية بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة واضحة، فما يفعله الإنسان في هذه الحياة يحضر بعينه وبصورته النوعية الحقة ليجده الفرد هناك أمامه، بل كل فعل وكل شئ آنذاك يتجلى في صورته الواقعية التي لا نستطيع ونحن في حياتنا هذه - ما دمنا قد بنيناها على الظن - أن ندركها كما هي في الواقع الحقيقي، وهذا هو اليقين المطلوب في هذه الحياة، الذي تكون علائمه التي تشير إليه هي اليقين المطلوب في هذه الحياة في أدنى درجاته.