وبولس هو المؤسس الحقيقي للديانة المسيحية، وقد طور فكرة المسيح من الناحية اللاهوتية والناحية الإنسانية وجعلها تتناسب مع فكرة الإنقاذ القديمة، فقدم آدابا مستحدثة في طابع قديم مألوف، وبهذا فصل دعوة عيسى عن اليهودية، ولم ينفر بولس من الطقوس الوثنية، بل على العكس اقتبس كثيرا من هذه الطقوس ليضمن نشر ديانته بين الوثنيين دون أن ينفروا منها، وليبعد ديانته بذلك أيضا عن أن تذوب في اليهودية، ومن الصور التي حقق بها هذا الغرض أن جعل عطلة الأسبوع يوم الأحد متبعا في ذلك تقاليد Mithras وأهمل يوم السبت وهو اليوم المقدس عند اليهود (1)، واتبع بولس هؤلاء أيضا في اقتباس أعياد رأس السنة وعيد القيامة وعيد الغطاس وأطلق عليها مسميات جديدة، فعيد الربيع عند Ostara أصبح عيدا لخروج عيسى من القبر (Eaater)، وطقوس السر المقدس أخذت مكان معبد التضحية عند اليهود، وعيسى أصبح (ابن الله) حملت به أمه العذراء حملا غير طبيعي، واحتلت صورة العذراء والمسيح مكانا مقدسا احتلته قديما صورتا حوروس وأوزيريس (Herus and Osiris) ووضعتا في كل الكنائس، وأما المعابد ذوات الأعمدة الكثيرة فكانت تذكار الأحراش والغابات ذوات الأشجار الكثيفة التي كانت مكانا للعبادة لدى الأمم القديمة.
تلك أمثلة مما اقتبسته المسيحية من الوثنية، ولكن يجب ألا ننسى أنه على الرغم من كثرة ما أخذت المسيحية من الوثنية لم تصر المسيحية وثنية في روحها بل ظلت متمسكة بتحفظها الديني الذي ورثته من اليهودية، كما حافظت على ابتعادها عن الناحية الجسمانية الشهوانية، وقد ظلت المسيحية كذلك طالما كانت مضطهدة، تحارب لتعيش، فلما أصبحت أقوى من أعدائها تغيرت