والدنيا لا تختلف عند المسلمين عالمهم وجاهلهم، أما المسيحية فيمكن القول إن هناك نوعين منها، يتبع المفكرون نوعا، وتتبع الكنيسة وعامة الناس نوعا آخر بعيدا جدا عن النوع الأول.
وهناك حقيقة أخرى تترتب على تلك التي سبق إيرادها، وهي أن المسلم يزيد حبه للإسلام وتقديره له كلما زاد تعمقا في دراسته وتفكيرا في مبادئه وفلسفته وحضارته وآدابه، أما المسيحي فعلى العكس من ذلك لأنه كلما زاد تعمقا في دراسة المسيحية ظهر له ما بها من تعقيد واستحالة، فيبعد عن مسيحية الكنيسة ويتخذ له مسيحية أخرى، أو ربما بعد عن المسيحية كلها واعتنق دينا آخر، أو لجأ إلى اللادينية وإن بقي اسميا في عداد المسيحيين، ويذكر الأستاذ العقاد بعض هؤلاء المفكرين في كتابه (عقائد المفكرين في القرن العشرين (1)) فيقول:
إن الأوربيين الذين خرجوا على سلطان الكنيسة الرومانية، ظهر منهم أناس يؤمنون بالله، ولا يؤمنون بالكتب، ولا بالشعائر الكنسية، وتسمت منهم طائفة بالربانيين (Diests) من كلمة ديوس بمعنى الرب أو الإله، وسموا دينهم بدين الطبيعة تمييزا له من دين الكنيسة، واشتهر من هؤلاء في البلاد الإنجليزية لورد هربرت شربري Cherbury المتوفى قبيل منتصف القرن السابع عشر، فدعا إلى دين طبيعي يقوم على أركان خمسة: هي الإيمان بالله والعباد والفضيلة والتوبة واليوم الآخر، ثم تلاه انتوني كولنس Collins الذي يعتبره الكثيرون أستاذا لفولتير وبنيامين فرنكلين في حرية الفكر، ويحسبون كتابه (محاضرة في الحرية الفكرية) Discourse on Freethinking إنجيل هذه النحلة، ثم تلاه تندال Tindal فألف كتابه الذي جعل عنوانه (المسيحية قديمة كقدم الخليقة) ليثبت به أن الإيمان سابق للكنائس والمذاهب.