وفي سن الثلاثين كان تصور فكرة أبوة الله وأخوة الناس قد اكتمل في نفسه، وصادف في ذلك الوقت أن ألقي القبض على (يوحنا المعمدان) (يحيى)، فخلا له الجو، فأعلن دعوته، وكان ذلك في عهد (تيربريوس)، وكان لليهود طريقان يقابلون بهما عسف الدولة الرومانية الحاكمة، وهذان الطريقان هما المقاومة، وقوة العقيدة، وقد اختار المسيح الطريق الثاني.
وقد بنى عيسى تعاليمه على الثقافات اليهودية القديمة والمعاصرة له، والجديد الذي جاء به هو أنه كان يتكلم كإنسان في يده نفوذ أكثر من أن يقنع بأن يكون مفسرا وشارحا، واستطاع بفصاحته أن يجذب له كثيرا من الأتباع، ولم يدع عيسى قط أنه المسيح الذي ينتظره اليهود، ولكن كثيرين من أتباعه (الذين هم في الأصل يهود ينتظرون المسيح) منحوه هذا اللقب. وقد نادى عيسى - كما ينادي المصلحون المحدثون - بعالم جديد خال من البؤس والحاجة والشقاء، بل وخال من الموت. ولم يخضع عيسى للعادات ولا للقانون، فأثار غضب الطبقات العليا من اليهود، وبهذا قدم للمحاكمة بتهمة ملفقة عن خيانة سياسية، وكانت المحاكمة أمام بونتيوس بيلاطس (Pontius Pilates) ولكن هذا لم يجد أدلة كافية ضد عيسى، بيد أن الطبقات العليا من اليهود صاحت تريد قتله فأدين وصلب، وبعد صلبه ذاب أتباعه، وفي خلال السنوات التالية لم يعد أحد يسمع بعيسى ولا بأتباعه (1).
وكان عيسى يدعو الناس ليتبعوا مشيئة الله وأن يحسنوا علاقاتهم بإخوانهم وأن يكونوا شفوقين رحماء، ولأن عيسى اتبع طريقة العظة اليهودية القديمة نجد دعوته تجد استجابة كبيرة لدى طبقات العامة، لأنه جعل لهذه الطبقات