الكاثوليك على ضيوفهم من البروتستانت، هؤلاء الذين دعوا لباريس لعمل تسوية تقرب بين وجهات النظر، ثم قتلوا خيانة وهم نيام، فلما أصبحت باريس، كانت شوارعها تجري بدماء هؤلاء الضحايا، وانهالت التهاني على تشارلس التاسع من البابا ومن ملوك الكاثوليك وعظمائهم على هذا العمل الدنئ (1).
والعجيب أن البروتستانت لما قويت شوكتهم مثلوا نفس دور القسوة مع الكاثوليك ولم يكونوا أقل وحشية في معاملة خصومهم من أعدائهم السابقين، ولولا أن عصر النور أطل لرأينا صور أكثر وأكثر، من اضطهاد البروتستانت للكاثوليك.
وهكذا دون تاريخ المسيحية: بحار من الدماء، وأكداس من رماد الذين أحرقوا، ويتم ودموع وأنين، ووحشية، وبربرية طال عمرها وأتيح لها السلطان فكانت نقمة وشرا. ولو ضممنا إلى هذا ما فعله المسيحيون بالمسلمون في الحروب الصليبية، وبإسبانيا بعد سقوط غرناطة (2)، وما فعله الاستعمار المسيحي بأقطار المسلمين، لتبين لنا أن المسيحية التي هي دين الرحمة كانت تستغل بابا من العذاب، وجحيما من التنكيل، وحشدا من الغل والكراهية والحقد، كانت جرحا أليما أصاب الإنسانية، وكان للبشرية مصدر قلق وآلام وشجون.