وفي القرن الثاني كان المسيحيون يعتبرون أنجاسا لا يسمح لهم بدخول الحمامات والمحال العامة، وكانوا - كما حصل في عهد نيرون - يلقون للوحوش الضارية تفترسهم في مدرج عام يضم خصومهم الذين يحضرون للتلهي بمشاهدة هذه المظاهر (1).
وسجل القرن الثالث صورا أخرى من أبشع ألوان التعذيب والاضطهاد للمسيحيين، وذلك في عهد الإمبراطور دقلديانوس، فقد أمر بهدم كنائس المسيحية وإعدام كتبها المقدسة وآثار آبائها، وقرر اعتبار المسيحيين مدنسين سقطت حقوقهم المدنية، وأمر بإلقاء القبض على الكهان وسائر رجال الدين، وتجريعهم العذاب ألوانا، ونفذت هذه التعليمات في جميع المناطق، فامتلأت السجون بالمسيحيين، واستشهد الكثيرون بعد أن مزقت أجسامهم بالسياط والمخالب الحديدية، أو أحرقت بالنار، أو قطعت إربا، أو طرحت للوحوش الضارية، أو غير هذا من وجوه التعذيب، وقد سمي عصره (284 - 305 م) عصر الشهداء (2).
وفي مطلع القرن الرابع تغيرت الأحوال، فقد أصدر الإمبراطور قسطنطين مراسيم التسامح سنة 311 و 313 ثم دخل المسيحية بعد ذلك بعشر سنوات، وسرعان ما قويت المسيحية ورجحت كفتها وشالت كفة أعدائها، فانقضت على أعدائها تفتك وتفني، فتأسست الجمعيات الثورية باسم الدين، وكان أشهرها جمعية (الصليب المقدس) في (تورينو) التي أخذت على عاتقها استئصال شأفة الملحدين من بقايا الرومان الوثنيين، وحدث بعد ذلك ولا حرج عن الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت، وقد وصف هارتمان هذه الحركة بأنها أفظع المجازر البشرية التي سجلها التاريخ (3).