وفي القرون التالية كثر صرعى هذا النظام، وتعرض للشنق والحرق والإعدام جماعات كثيرة لأنهم في نظر الكنيسة هراطقة، وكثيرا ما كانت الكنيسة تلجأ للإعدام البطئ مبالغة في التنكيل، فتسلط الشموع على جسم الضحية، وتخلع أسنانه كما فعل ببنيامين كبير أساقفة مصر، لأنه رفض الخضوع لقرار مجمع خلقدونية الذي يرى أن للمسيح طبيعتين إلهية وإنسانية.
وكان الإعدام يسبق بصور بشعة من التعذيب، كالكي بالنار والضرب، لعل المتهم يعترف بجرمه، فإن لم يعترف قتل، لأنه لم يكن يعتبر بريئا حتى تثبت إدانته، بل مجرما حتى تثبت براءته، وهيهات أن تثبت، وإذا اعترف المتهم بجريمته استمر تعذيبه قبل القضاء عليه لعله يكشف عن أنصاره وشركائه.
وكانت تقضي القوانين أن يحمل الأبناء والأحفاد تبعة الجرم الذي يدان به الآباء، فيسلبون حقهم في مباشرة الكثير من الوظائف ومزاولة الكثير من المهن (1).
أما الجماعات التي أعدمت فأكثر من أن يحصيها عد، ففي إسبانيا فقط قدمت محكمة التفتيش للنار أكثر من واحد وثلاثين ألف نسمة، وحكمت على أكثر من مائتين وتسعين ألفا بعقوبات أخرى تلي الإعدام (2).
وفي عام 1568 أصدر الديوان حكمه بإدانة جميع سكان الأراضي الواطئة والحكم عليهم بالإعدام، واستثنى من الحكم بضعة أفراد نص القرار على أسمائهم، وبعد عشرة أيام من صدور الحكم دفع للمقصلة ملايين الرجال والنساء والأطفال (3).
ولما ظهر البروتستانت اتجهت الكنيسة لهم بالاضطهاد العنيف وكثرت المذابح، ومن أهمها مذبحة باريس في 24 أغسطس سنة 1572 التي سطا فيها