وقد بدأ اضطهاد المسيحيين منذ عهد مبكر، وكان المسيح ضحية هذا الاضطهاد، وقد نزل بأتباعه في عهده وبعده مثل ما نزل به من العسف والظلم وكان اليهود مصدر هذه القسوة، ولكن المسيحية بدأت تنتشر على الرغم من اليهود، وغلبتهم على أمرهم، وحينئذ تقدم أباطرة الرومان لاضطهاد المسيحيين، وذلك لأن هؤلاء الأباطرة كانوا لا يعرفون من أمر الدين الجديد إلا أنه امتداد لليهودية، وكانت هذه موضع كراهية من الوثنيين على غير ما جرى العرف عليه من إباحة الحرية الدينية لسكان الإمبراطورية، ذلك لأن اليهودية أثارت بتعصبها الحقد في القلوب، وكان الأباطرة قبل المسيح يقومون بحماية السكان من ضراوة هذا الحقد، حتى إذا أحسوا بأنها ستبدو في ثوب جديد هو (المسيحية)، وتجذب كثرة من الأنصار الجدد، يشيعون تعصبها، ويثيرون حقد الناس عليها، أخذوا في مقاومة تعاليمها واضطهاد أتباعها. ومما أثار حقد الرومان أيضا على المسيحية أنها أخذت من اليهود تعصبها، فأعلنت حتى في عهود ضعفها أنها تناصب العقائد الأخرى العداء، وأنها ستعمل على إبادة المذاهب الفكرية الأخرى، وتحطيم الحضارة الرومانية عندما تتهيأ لها الفرصة (1).
وهذا التحول الذي أعلنته المسيحية، من التسامح والرضا بالضيم، إلى الحقد والثأر، يمثل التحول من أفكار عيسى إلى أفكار بولس كما سيجئ فيما بعد.
وأبشع حركات الاضطهاد التي عاناها المسيحيون في القرن الأول تلك التي أنزلها بهم نيرون الطاغية (68 م) فقد ألقى بعضهم للوحوش الضارية تنهش أجسامهم، وأمر فطليت أجسام بعضهم بالقار وأشعلت لتكون مصابيح بعض الاحتفالات التي يقيمها نيرون في حدائق قصره (2).