قد أثبتوا الصانع وأثبتوا سبب حركات تلك الجواهر وأما اصطكاكها فقد قالوا فيها بالإتفاق فلزمهم حصول العالم بالإتفاق والخبط وكان لفيثاغورس تلميذان رشيدان يدعى أحدهما فلنكس ويعرف بمرزنزش قد دخل فارس ودعا الناس إلى حكمة فيثاغورس وأضاف حكمته إلى مجوسية القوم ويدعى الآخر قلانوس دخل الهند ودعا الناس إلى حكمة فيثاغورس أيضا وأضاف حكمته إلى برهمية القوم إلا أن المجوس كما يقال أخذوا جسمانية قوله والهند أخذوا روحانية قوله ومما أخبر عنه فيثاغورس وأوصى به قال إني عاينت هذه العوالم العلوية بالحس بعد الرياضة البالغة وارتفعت عن عالم الطبائع إلى عالم النفس وعالم العقل فنظرت إلى ما فيها من الصور المجردة وما لها من الحسن والبهاء والنور وسمعت ما لها من اللحون الشريفة والأصوات الشجية الروحانية وقال إن ما في هذا العالم يشتمل على مقدار يسير من الحسن لكونه معلول الطبيعة وما فوقه من العوالم أبهى وأشرف وأحسن إلى أن يصل الوصف إلى عالم النفس والعقل فيقف فلا يمكن المنطق وصف ما فيها من الشرف والكرم والحسن والبهاء فليكن حرصكم واجتهادكم على الإتصال بذلك العالم حتى يكون بقاؤكم ودوامكم طويلا بعد ما نالكم من الفساد والدثور وتصيرون إلى عالم هو حسن كله وبهاء كله وسرور كله وعز وحق كله ويكون سروركم ولذتكم دائمة غير منقطعة وقال من كانت الوسائط بينه وبين مولاه أكثر فهو في رتبة العبودية أنقص وإذا كان البدن مفتقرا في مصالحه إلى تدبير الطبيعة وكانت الطبيعة مفتقرة في تأدية أفعالها إلى تدبير النفس وكانت النفس مفتقرة في إختيارها الأفضل إلى إرشاد العقل ولم يكن فوق العقل فاتح إلا الهداية الإلهية فبالحرى أن يكون المستعين بصريح العقل في كافة المصارف
(٨٢)