ونهى الرؤساء الذين كانوا في زمانه عن الشرك وعبادة الأوثان فثوروا عليه الغاغة وألجأوا ملكهم إلى قتله فحبسه الملك ثم سقاه السم وقضيته معروفة قال سقراط إن الباري تعالى لم يزل هوية فقط وهو جوهر فقط وإذا رجعنا إلى حقيقة الوصف والقول فيه وجدنا المنطق والعقل قاصرين عن اكتناه وصفه وحقيقته وتسميته وإدراكه لأن الحقائق كلها من تلقاء جوهره فهو المدرك حقا والواصف لكل شيء وصفا والمسمى لكل موجود إسما فكيف يقدر المسمى أن يسميه إسما وكيف يقدر المحاط أن يحيط به وصفا فنرجع فنصفه من جهة آثاره وأفعاله وهي أسماء وصفات إلا أنها ليست من الأسماء الواقعة على الجوهر المخبرة عن حقيقته وذلك مثل قولنا إله أي واضع كل شيء وخالق أي مقدر كل شيء وعزيز أي ممتنع أن يضام وحكيم أي محكم أفعاله على النظام وكذلك سائر الصفات وقال إن علمه وقدرته وجوده وحكمته بلا نهاية ولا يبلغ العقل أن يصفها ولو وصفها لكانت متناهية فألزم عليه إنك تقول إنها بلا نهاية ولا غاية وقد نرى الموجودات متناهية فقال إنما تناهيها بحسب إحتمال القوابل لا بحسب القدرة والحكمة والجود ولما كانت المادة لم تحتمل صورا بلا نهاية فتناهت الصور لا من جهة بخل في الواهب بل لقصوره في المادة وعن هذا اقتضت الحكمة الإلهية أنها وإن تناهت ذاتا وصورة وحيزا ومكانا إلا أنها لا تتناهى زمانا في آخرها إلا من نحو أولها وإن لم يتصور بقاء شخص فاقتضت الحكمة استبقاء الأشخاص ببقاء الأنواع وذلك بتجدد أمثالها ليستحفظ الشخص ببقاء النوع ويستبقي النوع بتجدد الأشخاص فلا تبلغ القدرة إلى حد النهاية ولا الحكمة تقف على غاية ثم إن من مذهب سقراط أن أخص ما يوصف به الباري تعالى هو كونه حيا قيوما لأن العلم والقدرة والجود والحكمة تندرج تحت كونه حيا والحياة صفة جامعة للكل والبقاء والسرمد والدوام وحفظ النظام في العالم تندرج تحت كونه قيوما والقيومية
(٨٤)