لأن الأدخنة ترتفع إلى الهواء وتقصد مركز النار فتكون كالمنتشر في السطح الأعلى من الهواء إلى أن تتصعد فتحترق وأما النار فإنها طبقة واحدة ولا ضوء لها بل هي كالهواء المشف الذي لا لون له وإن رئي لون للنار فهي بما يخالطها من الدخان صارت ذات لون ثم فوق النار الأجرام العالية الفلكية والعناصر بطبقاتها طوعها والكائنات الفاسدات تتولد من تأثيراتها والفلك وإن لم يكن حارا ولا باردا فإنه ينبعث منه في الأجرام السفلية حرارة وبرودة بقوى تفيض منه إليها ونشاهد هذا من إحراق شعاعه المنعكس على المرائي ولو كان سبب الإحراق حرارة الشمس دون شعاعه لكان كل ما هو أقرب إلى العلو أسخن بل سبب الإحراق التفاف الشعاع الشمس المسخن لما يلتف به فيسخن الهواء فالفلك أذا هيج بإسخانه الحرارة بخر من الأجسام المائية ودخن من الأجسام الأرضية وأثار شيئا بين الغبار والدخان من الأجسام المائية الأرضية والبخار أقل مسافة في صعوده من الدخان لأن الماء إذا سخن كان حارا رطبا والأجزاء الأرضية إذا سخنت ولطفت كانت حارة يابسة والحار الرطب أقرب إلى طبيعة الهواء والحار اليابس أقرب إلى طبيعة النار والبخار لا يجاوز مركز الهواء بل إذا وافى منقطع تأثير الشعاع برد وكثف والدخان يتعدى حيز الهواء حتى يوافي تخوم النار احتبسا فيها حدثت كائنات أخر فالدخان إذا وافى حيز النار اشتعل وإذا اشتعل فربما سعى فيه الاشتعال فرئي كأنه كوكب يقذف به وربما احترق وثبت فيه الاحتراق فرئيت العلامات الهائلة الحمر والسود وربما كان غليظا ممتدا وثبت فيه الاشتعال ووقف تحت كوكب ودارت به النار بدوران الفلك وكان ذنبا له وربما كان عريضا فرئي كأنه لحية كوكب وربما حميت الأدخنة في برد الهواء للتعاقب فانضغطت مشتعلة وإن بقى شيء من الدخان في تضاعيف الغيم وبرد صار ريحا وسط الغيم يتحرك عنه بشدة يحصل منه صوت يسمى الرعد وإن قويت حركته وتحريكه اشتعل من حرارة الحركة والهواء والدخان فصار نارا مضيئة تسمى البرق وإن كان المشتعل كثيفا ثقيلا محرفا اندفع بمصادمات
(٢١٤)