هذا ومن جادل نوحا وهودا وصالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين كلهم نسجوا على منوال اللعين الأول في إظهار شبهاته وحاصلها يرجع إلى دفع التكليف عن أنفسهم وجحد أصحاب الشرائع والتكاليف بأسرهم إذ لا فرق بين قولهم * (أبشر يهدوننا) * وبين قوله * (أأسجد لمن خلقت طينا) * وعن هذا صار مفصل الخلاف ومحز الافتراق ما هو في قوله تعالى * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) * فبين أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى كما قال المتقدم في الأول * (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) * وقال المتأخر من ذريته كما قال المتقدم * (أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) * وكذلك لو تعقبنا أقوال المتقدمين منهم وجدناها مطابقة لأقوال المتأخرين كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقل لزمه أن يجرى حكم الخالق في الخلق أو حكم الخلق في الخالق والأول غلو والثاني تقصير فثار من الشبهة الأولى مذاهب الحلولية والتناسخية والمشبهة والغلاة من الروافض حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى وصفوه بأوصاف الإله وثار من الشبهة الثانية مذاهب القدرية والجبرية والمجسمة حيث قصروا في وصفه تعالى حتى وصفوه بصفات المخلوقين فالمعتزلة مشبهة الأفعال والمشبهة حلولية الصفات وكل واحد منهم أعور بأي عينيه شاء فإن من قال إنما يحسن منه ما يحسن منا ويقبح منه ما يقبح منا فقد شبه الخالق
(١٩)