أحدهما شامة سوداء في قدر راحة الكف، فسأله أن يكشف عن رأسه، فإذا هو أصلع، فسأله أن يعتمد بيده فاعتمد فإذا أعسر أيسر. فقال له: أنت ملك العرب.
قال: فضحك عمر مستهزئا. فقال: أو تضحك؟ وحق مريم البتول، أنت ملك العرب، وملك الروم، وملك الفرس، فتركه عمر وانصرف مستهينا بكلامه، فكان عمر يحدث بعد ذلك، ويقول: تبعني ذلك الرومي، راكب حمار، فلم يزل معي حتى، باع الوليد متاعه، وابتاع بثمنه عطرا وثيابا، وقفل إلى الحجاز، والرومي يتبعني، لا يسألني حاجة، ويقبل يدي كل يوم... " (1).
وقد ابتدع كعب شيئا خطيرا جعل الكثير من الناس يتبعوه إذ قال: " ما من شئ إلا وهو مكتوب في التوراة " (2).
ولما كان المسلمون لا يقرأون اللغة العبرية، فقد أصبحوا أسرى بيد كعب وأمثاله، ينقل لهم كل ما يهوى ويحب باسم قال الله تعالى في الكتاب المقدس؟!!
وبواسطة هذه الحيلة أصبح كعب مرجعا خطيرا لبعض المسلمين، يسيرهم كما يشاء.
هذا بالنسبة للذين لم ينتبهوا لكذبه، أما الآخرون فقد ضربوا بأقواله عرض الحائط. وأما الذين انساقوا في تيار كعب وأصبحوا من متهودة المسلمين، فقد رووا حديثا كعبيا باسم النبي (صلى الله عليه وآله) جاء فيه: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج (3).
وقد ذكرت الأخبار أن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد تلاميذ كعب، قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب، فكان يحدث منهما، وزاد ابن حجر قائلا: فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين " (4).