فكانت درة عمر تخيف هؤلاء الولاة الذين لا يخافون الله تعالى، وفعلا استقام ولاة عمر له طيلة مدة سلطته، ولما عزل عثمان ابن العاص انتفض ضده، وساعد على قتله، حتى قال: قتلته وأنا في وادي السباع (1).
وأصبح ولاة عمر ضد الإمام علي (عليه السلام) وهم عتبة ومعاوية والمغيرة وابن العاص وأبو هريرة وسعيد بن العاص وأبو موسى الأشعري والوليد بن عقبة، أي أن ولاة عمر الذين لا يملكون شروط الوالي الصالح يريدون الخلود في مناصبهم التي منحها لهم عمر... فلما عزل عثمان وعلي (عليه السلام) بعضهم ثاروا؟
وهذا هو الفرق بين الوالي الفاسق والوالي المؤمن. فالوالي الفاسق يفعل المستحيل لاستمرار حكمه، والوالي المؤمن يعتبرها خدمة إسلامية ومسؤولية دينية. وفعلا استمر ابن العاص والمغيرة وأبو هريرة ومعاوية وعتبة وسعيد بن العاص إلى نهاية عمرهم في جهاز السلطة، مستخدمين شتى الوسائل المتاحة والممنوعة لاستمرار ذلك. فقد قتلوا الأبرياء، ونشروا الحديث الكاذب، وسرقوا أموال الله والمسلمين، وارتكبوا المعاصي.
وتلك الأعمال تثبت فشل نظرية استخدام الفسقة والدهاة كما أشار إليها الله تعالى: {وما كنت متخذ المضلين عضدا} (2). فهؤلاء الولاة الذين ضبطهم عمر بعصاه انفلتوا كبركان هائج، لتحريك الفتن وتأجيج الصراعات، لا يقبلون بأقل من خلافة أو وزارة أو ولاية كبيرة. وطموحهم العظيم وطموح أمثالهم للأموال والسلطة، جعلهم يكثرون من الأحاديث الكاذبة طمعا في عطايا معاوية، ويفعلون الموبقات لإرضاء الأمويين، وقيادة الفتن.