ولم يكن لهما مكانة سوى الجندي البسيط تحت إمرة أسامة، ولما يبلغ الثامنة عشر، وقد مر إقراره واعتذاره وتأسفه على التخلف، وقد جاء بأعظم منها، بل جاء ما قلب به الإسلام وحرفه عن مجراه، جاء بأعظم صاخبة وبادرة وانقلاب هد بها صروح الإسلام وأشاد صروح النفاق في يوم السقيفة وأخر وما أدراك ما دبر هو الآخر المكذب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله ألم تعدنا بفتح مكة؟! ويشك برسالته في صلح الحديبية، ويقول لو كان لي أعوان، ويتخلف عن جيش أسامة ويمنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكتب العهد لعلي، وقد بايعه يوم غدير خم واعترف بالبيعة ونكثها وبايع أبا بكر وأشاد سلطانه بعد أن هدم أركان الدين بإبعاد خليفة ووصي وأخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذه صابرا محتسبا ليبايع أبا بكر، وهو يشهد لعلي لو وليها لأقامها على الحق.
ولم يكن علي ذلك الجبان، ولكن ماذا يعمل أمام وصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإخلاص للبقية الباقية من كلمة الإسلام، وما عمله عمر وأبو بكر من منع تدوين السنة وكم الأفواه، والقضاء على معالم حضارة العالم أينما وصل عمر بفتوحه لحرق وإتلاف الكتب ومقر المعارف وذوي الرأي سيان منها في الإسلام ومن قبلهم.
وقد علمنا أن القطر أول الغيث، وقد بدأ القطر وانهمر الغيث بادئا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن الأسف كل الأسف أن العجلة التي كانت موجهة لتحطيم الشرك والكفر والنفاق وتشييد الإسلام والوجدانية والبر والإحسان وقعت في أيدي من حرفوها عن هدفها، فقضت على العدالة والمساواة وحطمتها ومزقتها، ونصرت ذوي النفاق والظلم والجور، بقيادة من؟! حتى وصلت آل أمية، فمزقت الأمة إلى فرق ومذاهب.