بل إن من يصبر نفسه على أداء الصلاة في مختلف الظروف التي يلاقيها من داخل نفسه ومن خارجها سيجد لصلاته طعوما جديدة.
فهي في السفر تشعره بالمواطنة من أرض الله. وفي الشدة هي المنفذ للفرج والصلة بمن يملك الأسباب، وفي المرض هي الدعاء العميق وصحة النفس التي تنعكس على الجسد، وفي حالات المعارضة والاستهزاء هي الثقة بالشخصية والإشفاق على المستهزئين الخاسرين. وفي كل ذلك هي الثبات على خط الرسالة، والاعتزاز بالعقائدية في السلوك، والإصرار على الظروف كي تخضع هي لإرادة الإيمان ويستعلي الإيمان على ضغوطها.
والأرقى من الصبر على أداء الصلاة الصبر على الاستفادة منها.
ومنشأ الحاجة إلى هذا اللون من الصبر، وهو طبيعة الحس البشري:
إن أروع المناظر الطبيعية هي في معرض أن تتحول لديك إلى أمور عادية إذا تكررت مشاهدتك لها، وكذلك كل معنى بديع وشعور جميل ونعمة سابغة.
ألا ترى الذين يعيشون وسط مناظر الطبيعة الجميلة من غير ذوي الاحساس المرهف لا يثير وجدانهم الجمالي جبل تشتبك خضرته بأشعة الشمس عند الأصيل وتتراقص أطياره على خرير واديه وتبعث أزاهيره عطاءها في نسيمة العليل. حتى أن حسهم لا يكاد يفرق بين هذا الجمال الباذخ وبين قاع بلقع وواد يابس!
ألا ترى الأغنياء وأبناء الأغنياء من غير دوي الاحساس المرهف كيف يفقدون الاحساس بالغنى والمال والجمال.
وقراء القرآن ذوي الإيمان الخافت قد حرموا من مروج القرآن وينابيعه وسخائه. ذلك أن النفس البشرية يطرأ عليها التلبد إذا تكرر عليها الشئ الجميل ما لم تعط لذاتها على الدوام دفعة الحيوية اللازمة من أجل الحفاظ على حدة إحساسها وإرهافه.