وهذا المعنى من النسيان الذي يرد كثيرا في آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة الشريفة في مقابل " الذكر والتذكر " ينبغي أن نسميه " النسيان العملي " وهو يختلف عن النسيان العرفي المسموح به في الإسلام، كما أنه لا يتصل في شئ بالنسيان الأفلاطوني.
والنسيان بالمعنى العملي مبني على أساس النظرة الإسلامية للإنسان التي تقضي بأن الإنسان مزود بفطرة وعقل، يدفعانه لأن يعرف عددا من الحقائق ويعمل وفقها، وأول هذه الحقائق أن يعرف ربه وشريعته المنزلة إليه. فإذا لم يسلك الإنسان هذا الطريق الطبيعي في المعرفة والعمل فهو معرض عن الحقائق التي أمامه وناس لها. وإذا سلك هذا المنهج في المعرفة والعمل فهو متذكر.
فالتذكر والنسيان بهذا المفهوم عملان إراديان للإنسان، وسلوكان يواجه بهما الحقائق التي يملك قوة الاهتداء إليها في فطرته وعقله.
أما لماذا سمى القرآن الكريم السلوك السلبي نسيانا مع أنه مخالفة متعمدة للفطرة والعقل وإعراض متعمد عن الحقائق القائمة.؟ فالذي يبدو من نصوص الإسلام أن اختيار التسمية أو المصطلح ليس فقط بسبب أن هذا السلوك السلبي والإعراض إهمال وتناس بل لأنه ينتج عنه نسيان حقيقي عملي ونظري، فالمعرضون والغافلون والناسون لربهم تعالى ولما قدمت أيديهم ولليوم الآخر، وهم ناسون حقيقة. ولكنه نسيان مدان إسلاميا لأنه ثمرة طبيعية لمخالفة نداء الفطرة والعقل ثم نداء أوامر الله ونواهيه.
وهذا " النسيان " الخطير على شخصية الإنسان مرة يكون في أصل الإيمان بالله تعالى ورسالته فيكون مساويا للكفر والنفاق.. ومرة يكون في تطبيقات الشريعة على السلوك فيكون مساويا للمعاصي والذنوب من المسلمين، كما في قوله تعالى عن المؤمنين (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) 286 البقرة.
وكل منهما درجات متعددة يمكن ملاحظتها في مادة " نسي " و " ذكر " في القرآن الكريم.