كما نلاحظ أن المتغيرات في الدين الإلهي في المراحل الخمس قليلة بالنسبة إلى الثوابت، ولذا كانت الصفة العامة لشرائع الأنبياء أولي العزم عليهم السلام أنها مصدقة لما سبقها (وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة) 46 المائدة (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب) 48 المائدة. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " مثلي ومثل الأنبياء قبلي كقوم شادوا بناء فبقي فيه موضع لبنة فجئت لأضعها " وقال: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
أما باعتبار المتغيرات التي هي تفصيل، وإكمال، وتبديل لأحكام ظرفية، فإن الشريعة اللاحقة تكون ناسخة للشريعة السابقة وحاكمة عليها (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه).
ويكشف كون التشريع ثابتا في كل المراحل عن أنه من الاحتياجات الإنسانية الأساسية الدائمة في كل الظروف والأجيال كما هو الأمر في فريضة الصلاة.
بل من غير المستبعد ثبات تشريع فريضة الصلاة عبر مراحل الدين في مضمونها وفي أكثر شكلها أيضا، وأن التغيير الذي حدث على شكلها وتوقيتها في الشرائع اللاحقة قليل. ففي سورة مريم يستعرض عز وجل عددا من الأنبياء والأمم المؤمنة في أوليات التاريخ، ثم يذكر انحراف ذرياتهم من بعدهم وتضييعهم للصلاة فيقول عز وجل: (.. أولئك الذين أنعم الله عليهم: من ذرية آدم، وممن حملنا مع نوح، ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل، وممن هدينا واجتبينا، إذا تتلى عليهم آياتنا خروا سجدا وبكيا. فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) 58 59 مريم.
وإبراهيم أبو النبوات صلى الله عليه وآله كان يؤدي الصلاة ويحرص عليها ويدعو ربه (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) 40 إبراهيم.
وإسماعيل عليه السلام كان على رسالة أبيه (وكان يأمر أهله بالصلاة) 55 مريم.