عن هذه الشبهات مخلصا في إسكات الجاحد إلا بهذا الجواب الإلهي.
والأستاذ الإمام الراحل (قدس سره) حمل الجواب الإلهي على الجدال بالتي هي أحسن، حيث إن إبليس اعترف بإلهية الباري، ولكنه لم يعرفه بأنه ليس له العلة الغائية ومطلب " لم "، فكان جاهلا بأن فعله تعالى لا أحسن ولا أصلح حتى يصح السؤال عنه باللمية، فلذلك قال عز وجل: " يا إبليس! إنك ما عرفتني... " إلى آخره. ووجهة النظر في القياس الجدلي إفحام الخصم، وقد تحقق بهذا الجواب بمقتضى اعترافه واعتقاده فإن مقتضى هذا الاعتراف والاعتقاد هو أنه تعالى تام الفاعلية، ومقتضى الاعتراض والسؤال هو سلب ذاك وابتلاء اللعين بالمناقضة، وهذا هو إفحامه تعالى في المقام.
ولسيدنا الأستاذ صالح المتألهين (قدس سره) بيان تفصيلي في دفع هذه الشبهات، إلا أنه عدها ستا ذكرها في " تفسير الميزان " ونلخصها فيما يلي، قال:
أما الشبهة الأولى: فالمراد بالحكمة - وهي جهة الخير والصلاح الذي يدعو الفاعل إلى الفعل في الخلق - إما الحكمة في مطلق الخلق - وهو ما سوى سبحانه من العالم - وإما الحكمة في خلق الإنسان خاصة:
فإن كان سؤالا عن الحكمة في مطلق الخلق فمن المبرهن عليه أنه فاعل تام لمجموع ما سواه غير مفتقر إلى متمم يتمم فاعليته، فهو مبدأ لما سواه منبع لكل خير ورحمة بذاته، واقتضاء المبدأ لما هو مبدأ له ضروري، والسؤال عن الضروري لغو. كما أن ملكة الجود تقتضي بذاتها أن تنشر أثرها، فظهور أثرها ضروري لها.
وأما حديث الخير والغاية المقصودة للفاعل في فعله فإنما يحكم العقل بوجوب الغاية الزائدة على الفاعل في الفاعل الناقص الذي يستكمل بفعله. وأما الفاعل الذي عنده كل خير وكمال فغايته ذاته، نعم يترتب على فعله فوائد ومنافع غير مقصودة إلا ثانيا وبالعرض.
وإن كان السؤال عن الحكمة في خلق الإنسان كما يشعر به قوله بعد: " لا سيما وقد