المسمى بالبقاء ارتباطا وجوديا حقيقيا يؤدي به كل سابق إلى لاحقه، ويتوجه به النوع إلى آخر مرحلة، من شأن حركته أن ينتهي إليه.
وليس النوع الإنساني بمستثنى من هذه الكلية البتة، فهو أيضا من أول ما يأخذ فرد منه في التكون عازم نحو غايته متوجه إلى مرتبة إنسان كامل واجد لحقيقة سعادته، سواء بلغ في مسير حياته إلى ذلك المبلغ أم حالت دونه الموانع.
والإنسان لما اضطر بحسب سنخ وجوده إلى أن يعيش عيشة اجتماعية، والعيشة الاجتماعية إنما تتحقق تحت قوانين وسنن جارية بين أفراد المجتمع - وهي عقائد وأحكام وضعية اعتبارية، التكاليف الدينية وغير الدينية - تتكون بالعمل بها في الإنسان عقائد وأخلاق وملكات هي الملاك في سعادة الإنسان في دنياه وكذا في آخرته، وهي لوازم الأعمال المسماة بالثواب والعقاب.
فالتكليف يستبطن سيرا تدريجيا للإنسان بحسب حالاته وملكاته النفسانية نحو كماله وسعادته، يستكمل بطي هذا الطريق والعمل بما فيه طورا بعد طور حتى ينتهي إلى ما هو خير له وأبقى، ويخيب مسعاه إن لم يعمل به، كالفرد من سائر الأنواع الذي يسير نحو كماله، فينتهي إليه إن ساعدته موافقة الأسباب، ويفسد إن خذلته ومنعته.
فقول القائل: " ما الفائدة في التكليف؟ " كقوله: ما الفائدة في تغذي النبات؟ أو ما الفائدة في تناسل الحيوان من غير نفع عائد؟
وأما الشبهة الثالثة - قوله: هب أنه كلفني بمعرفته وطاعته فلماذا كلفني بالسجود لآدم؟ - فجوابه ظاهر، فإن هذا التكليف يتم بالايتمار به صفة العبودية لله سبحانه، ويظهر بالتمرد عنه صفة الاستكبار.
وأما الشبهة الرابعة - قوله: لماذا لعنني وأوجب عقابي - فجوابه: أن اللعن والعقاب من لوازم الاستكبار على الله، وليس قوله هذا إلا كقول من يقول فيمن استقى سما وشرب فهلك به: لم لم يجعله الله شفاء، وليس في إماتته به نفع له؟ فهذا كله من الجهل