المتعلقة بالمسافة القابلة للانقسام إلى غير النهاية خامسة. ولك قياسها بالإمكان في الممكنات والوجوب في الواجب وضرورة القضايا الضرورية إلى غير ذلك [29].
وأنت خبير بما فيه وفي مقايساته، فإن الإرادة بما أنها صفة موجودة حقيقية تحتاج إلى علة موجدة، إما إرادة أخرى أو شئ من الخارج، فيتسلسل أو يلزم الاضطرار والجبر. ولا يمكن أن يقال: علة تحقق الإرادة نفس ذاتها بالضرورة، كما أن العلم بذواتنا أو بالغير ليس معلولا لنفسه بل لأمر آخر. نعم، إذا لاحظنا علمنا بصورة يكون معلوما بواسطة هذا اللحاظ وتنقطع اللحاظات بتركها، وكذا في اللزومات فإن اللزوم أمر اعتباري إذا لوحظ طرفا يعتبر لزوم آخر بينه وبين الموضوع وينقطع بانقطاع الاعتبار، وأما الإرادة المتعلقة بالشئ فلا تكون اعتبارية وتابعة للحاظ.
وبالجملة: فقياساته مع الفارق، خصوصا بالإرادة المتعلقة بالمسافة كما لا يخفى. وأما القياس بالنية في العبادة فغير معلوم الوجه، فإن النية فيها لا تلزم أن تكون منوية وإلا فيرد عين الإشكال عليها أيضا، ولا يدفع بما ذكر. واتضح بطلان القياس بالإمكان والوجوب والضرورات أيضا.
[29] ذكر أصل الشبهة وجوابها في " القبسات " ولخصها الأستاذ الإمام - أعلى الله مقامهما - وقرر الشبهة بما حاصله: أن الإرادة الجائزة الإنسانية واجبة الانتهاء إلى الإرادة الحقة الواجبة، فيكون الإنسان - لا محالة - مضطرا في إرادته لفعله. ففعله وإن كان بإرادته فيكون اختياريا إلا أن إرادته لفعله ليست بإرادته واختياره، فقد لزم أن يكون فعل الإنسان اختياريا وإرادته لفعله غير اختيارية.
فهذا الشك مما لم يبلغني عن أحد من السابقين واللاحقين شئ في دفاعه، انتهى.