ولكن النسبتين محفوظتان، لأن ما يفاض من الحق هو الخيرات، ولازمة هذه الخيرات تخلل الشرور على سبيل الانجرار والتبعية، فتنسب إليه سبحانه بالعرض وإلى ذوات الأشياء بالذات.
كما أن القرآن الكريم أفصح عن هذين المعنيين بالنظرين، فبالنظر إلى غلبة سلطان الوحدة واضمحلال النقائص والكثرات قال: * (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله) * (النساء: 78).
وبالنظر إلى تخلل الكثرة ولحاظ الوسائط قال: * (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * (النساء: 79).
اعلم: أن المحققين من الفلاسفة قالوا: إن لفعل الله المطلق ليس غاية وغرض غ 0 ير ذاته المقدسة، لأن كل فاعل إذا كان له غاية غير ذاته فهو مستكمل بتلك الغاية، وذلك مستلزم للنقص، والواجب تعالى واجب من جميع الجهات، فحيث ليس له غاية في فعله المطلق غير ذاته فليس له فيه لمية ولا سؤال عن اللمية، فهو سبحانه وتعالى * (لا يسأل عما يفعل) *.
وأما سائر الموجودات في أفعالها فلها أغراض وغايات غير ذواتها، فعشاق جمال الحق والمقربون المجذوبون غايتهم في أفعالهم الوصول إلى باب الله والنيل إلى لقائه وغيرهم على حسب الكمال، والنقص ذو غرض زائد على الذات.
وبالجملة: أن الحق المتعالي كما هو الكمال المطلق برئ عن اللمية، كذا فعله المطلق برئ عن اللمية، بخلاف سائر الموجودات. وأيضا لما كانت ذاته المقدسة كاملة وجميلة على الإطلاق فهو كعبة آمال كل الموجودات، وليس له وراء ذاته قبلة وغاية، ف * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * (الأنبياء: 23).
وأيضا لما كانت ذاته المقدسة في الغاية القصوى من الجمال والكمال فنظام دائرة الوجود الذي هو الظل لهذا الجمال المطلق لا بد وأن يكون في الغاية القصوى من الكمال