العلمية واجد لها في مرتبة ذاته البسيطة بنحو أعلى وأشرف وأكمل فكذا الفاعل للإرادة، لكن لما كانت النفس ما دامت متعلقة بالبدن ومسجونة في سجن الطبيعة غير تامة التجرد تجوز عليها التغييرات والتبدلات والفاعلية تارة وعدمها أخرى، والعزم وعدمه، فلا يجب أن تكون فعالة بالدوام ولا عالمة عاملة وعازمة كذلك. نعم، لو فرض حصول التجرد التام لها تصير مبدأ للصور الملكوتية من غير تخلف عنها إلا بوجه الظهور والبطون مما يعرفه الراسخون في العلم [32].
[32] الظاهر: أن هذا التحقيق لم يسبقه إليه أحد في دفع هذا الإشكال، وأنه مما ألهمه الله تعالى ومن عليه بعدما كان معتمدا على " أسد ما قيل ".
والتحقيق المذكور - كما ترى - مبتن على ضربين من الأفعال الاختيارية الصادرة من النفس، والعمدة هو الضرب الثاني الذي يتضح ببيان أمرين:
الأمر الأول: تفسير الملكة البسيطة الخلاقة للتفاصيل، وصفوة القول في ذلك ما نبه عليه الشيخ في علم النفس من كتاب " الشفاء " بقوله: إن تصور المعقولات على وجوه ثلاثة:
أحدها: التصور الذي يكون في النفس بالفعل مفصلا منظما.
الثاني: أن يكون قد حصل التصور واكتسب، لكن النفس معرضة عنه.
ونوع آخر من التصور، وهو مثل ما يكون عندك في مسألة تسأل عنها مما علمته، أو مما هو قريب من أن تعلمه وحضرك جوابها في الوقت، وأنت متيقن بأنك تجيب عنها مما علمته، من غير أن يكون هناك تفصيل البتة، بل إنما تأخذ في التفصيل والترتيب في نفسك مع أخذك في الجواب الصادر عن يقين منك بالعلم به قبل التفصيل، فهو كمبدأ لذلك التفصيل، انتهى.