الممكن، فلا يتصور النظام الأتم منه.
فالسؤال باللمية والغاية والغرض سؤال ناش من الجهل، كما أن الأسئلة السبعة المعروفة لإبليس واقعة من جهل اللعين، والحق تعالى أجابه بالوجه الإجمالي الأحسن بقوله: " لا اسئل عما أفعل " فهو - عز وجل - لأجل أكملية فعله لا يسأل باللمية المطلوب بها انطباق الفعل على الأكمل الأصلح، ولا أكمل ولا أصلح من فعله ومن النظام الجاري، فلا يقع موردا للسؤال، انتهى.
أقول: يجب أن تعلم الفرق بين طلب اللمية لفعله بمعنى السؤال عن سبب به يصير الفاعل فاعلا، وقد عبر عنه الإمام الراحل (رحمه الله) بالفعل المطلق، وبين طلبها بمعنى سبب فعله وما به يصير هذا الفعل متعينا في الصدور وموجودا على الخصوص دون غيره في هذه المرتبة.
فالسؤال على الوجه الأول باطل في حقه - جل اسمه - لأن فاعليته تعالى بذاته والذاتي لا يعلل، والداعي له في إيجاد العالم - وهو علمه بالنظام الأتم - عين ذاته، فذاته المتعالية كما أنها فاعلة فهي علة غائية وغاية لسلسلة الموجودات.
وأما السؤال وطلب اللمية على الوجه الثاني فليس المراد بنفي التعليل في الآية هذا المعنى - كما زعم الأشعري ومن يتبعه - بل المراد بنفي التعليل فيها هو نفي " لم " عن فعله المطلق لا عن فعله مطلقا، بل السؤال عن أفعاله تعالى على الوجه الثاني مرغوب بحسب الغايات القريبة والمتوسطة، ككون الطواحن من الأسنان عريضة لغاية هي جودة المضغ، وهي أيضا لغاية هي جودة الهضم الأول، وهي لجودة الهضم الثاني، وهلم إلى غاية هي تغذية بدن الإنسان على وجه موافق لمزاجه، وهي لغاية هي حصول المزاج الكامل، وهو لغاية هي فيضان الكمال النفسي، وغايته حصول العقل بالملكة ثم بالفعل ثم العقل الفعال، وغايته البارئ المتعالي، إلى غير ذلك مما تعرض له الحكماء الشامخون في كتبهم، لا سيما صدر المتألهين (رحمه الله) في " الأسفار ".