إشكال ينشأ من قوله: " وبنعمتي قويت على معصيتي " وعلى هذا فينسب المعاصي والنقائص إلى الله تعالى، فتصدى لرفع هذا الإشكال على وجه البرهان بقوله:
" ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أني أولى بحسناتك منك... " إلى آخره، يعني أنه تعالى حيث كان صرف الكمال والجمال فما يصدر منه سبحانه هو الكمال والخير، وما يترائى من نقص وشر فيرجع إلى العدم والماهيات وتضايق دار التضاد، فلا يكون متعلقا للجعل والإفاضة.
فالخيرات والحسنات كلها من الحق، والشرور والسيئات كلها من قصور الذات والنقص في الموجودات.
فما هو المعروف من أن السعادة والشقاوة ذاتيتان للأشياء وليستا بمجعولتين، ففي جانب السعادة لا أصل له فإن السعادة - كما سيأتي - مجعولة ومفاضة من الحق المتعالي، وأما في جانب الشقاوة فصحيح حيث علمت أنها راجعة إلى العدم والنقص، وهو دون الجعل والإفاضة.
ولما كان بعد هذا البيان البرهاني مظنة شبهة أخرى، وهي أن مقتضى البرهان في جانب الخيرات هو عزل الموجودات عن الدخالة فيها، وفي جانب الشرور هو عزل القدرة الواجبة، وذلك يستلزم الجبر والتفويض، وهو خلاف المقرر في مسلك العرفان وطريقة البرهان، فدفعها بقوله: " أني أولى بحسناتك " إلى قوله: " وأنت أولى... " إلى آخره.
ففي إثبات الأولوية إثبات انتساب الفعل إلى الطرفين.
وأما بيان أولوية الحق من العبد في الخيرات والحسنات مع الانتساب إلى العبد، فلأن نسبة الخيرات إلى مبدأ المبادئ - جل وعلا - بالذات، حيث إن الخيرات ذاتية للوجود وإلى الممكن بالجعل، فيكون الانتساب بالعرض في الممكن. وأما في الشرور والسيئات فالأمر بالعكس.