فالآن نتبرك بذكر رواية صحيحة من تلك الروايات، هي ما رواه الشيخ الكليني في جامعه " الكافي " (1) عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): " قال الله عز وجل: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويا * (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * وذلك أني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني، وذاك أني لا اسئل عما أفعل وهم يسألون ". ولقد شرحنا هذا الحديث شرحا وافيا في " الأربعين " (2).
وأنت إذا تأملت ما تقدم منا ترى أن الروايات الشريفة متوافقة المضمون غير متعارضة الحقيقة، وإن كان الجاهل يزعم الاختلاف.
فلا منافاة بين قول أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية أبي بصير " من زعم أن الخير والشر إليه فقد كذب على الله " (3)، وقوله (عليه السلام): " من زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج الله عن سلطانه " (4)، وكذا بين ما ورد " أن الشر ليس إليه والخير بيديه " (5) وما ورد من أن الخيرات والشرور كلها مما أجرى الله على أيدي العباد (6)، إلى غير ذلك [28].
[28] قوله (قدس سره): " ولقد شرحنا هذا الحديث شرحا وافيا في الأربعين " يبعثنا على نقل ما حققه في شرح هذا الحديث بالفارسي بتبديله إلى العربية، مع تلخيص مني:
قال (قدس سره): في هذا الحديث الشريف إشارة واضحة إلى مسألة الجبر والتفويض وتبيين المذهب الحق - وهو الأمر بين الأمرين، والمنزلة بين المنزلتين - على مسلك أهل المعرفة وطريقة أصحاب القلوب، حيث أثبت المشية والقوة للعبد وأنها بمشية الحق، فقال: " بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء... " إلى آخره. ولما كان هناك مظنة