حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٣٤
ولا يلزم مما ذكرنا أن يكون فعله لا لغرض وغاية فيكون عبثا، لأن الغاية في فعله وهو النظام الأتم التابع للنظام الرباني هو ذاته تعالى، والفاعل والغاية فيه تعالى واحد لا يمكن اختلافهما، لا بمعنى كونه تعالى تحت تأثير ذاته في فعله - فإنه أيضا مستحيل لوجوه - بل بمعنى أن حب ذاته مستلزم لحب آثاره استجرارا وتبعا لا استقلالا واستبدادا، فعلمه بذاته علم بما عداه في مرتبة ذاته، وعلة لعلمه بما عداه في مرآة التفصيل، وحبه بذاته كذلك، وإرادته المتعلقة بالأشياء على وجه منزه عن وصمة التغير والتصرم لأجل محبوبية ذاته وكونها مرضية، لا محبوبية الأشياء أو كونها مرضية استقلالا. وإلى ذلك أشار الحديث القدسي المعروف: " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف " (1) فحب ظهور الذات ومعروفيتها حب الذات لا الأشياء [12].
إلى ذاته، وذلك لأن من يفعل لغرض فلا بد من أن يكون ذلك الفعل أحسن به من تركه، لأن الفعل الحسن في نفسه إن لم يكن أحسن بالفاعل لم يمكن أن يصير غرضا له، فثبت أن الملك الحق لا غرض له في فعله مطلقا غير ذاته، فذاته تعالى هو الفاعل وهو الغاية.
[12] حكي عن العارف الكامل الشاه آبادي: أنه قال في بعض تأليفاته في هذا المقام: التحقيق أن يقال: إن كماله الذاتي وعلمه العنائي بنظام الوجود - وهو عين ذاته - دعاه إلى العطاء والفيض، وبالجملة: الملئان أوجب الفيضان.
وحينئذ: فغاية فعله هو نفسه وظهوره وجلاؤه واستجلاؤه - يعني غايت فعلش خود نمايى است - لا الاستكمال ولا إيصال النفع إلى السفال، بل هو من لوازمه وتوابعه.
وإذا كان المقصود الأصلي في الإيجاد ظهور كمالاته فهو الغاية والبداية وهو المبدأ والنهاية، كما قال في الحديث: " كنت كنزا مخفيا ".

(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162