ولا يلزم مما ذكرنا أن يكون فعله لا لغرض وغاية فيكون عبثا، لأن الغاية في فعله وهو النظام الأتم التابع للنظام الرباني هو ذاته تعالى، والفاعل والغاية فيه تعالى واحد لا يمكن اختلافهما، لا بمعنى كونه تعالى تحت تأثير ذاته في فعله - فإنه أيضا مستحيل لوجوه - بل بمعنى أن حب ذاته مستلزم لحب آثاره استجرارا وتبعا لا استقلالا واستبدادا، فعلمه بذاته علم بما عداه في مرتبة ذاته، وعلة لعلمه بما عداه في مرآة التفصيل، وحبه بذاته كذلك، وإرادته المتعلقة بالأشياء على وجه منزه عن وصمة التغير والتصرم لأجل محبوبية ذاته وكونها مرضية، لا محبوبية الأشياء أو كونها مرضية استقلالا. وإلى ذلك أشار الحديث القدسي المعروف: " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف " (1) فحب ظهور الذات ومعروفيتها حب الذات لا الأشياء [12].
إلى ذاته، وذلك لأن من يفعل لغرض فلا بد من أن يكون ذلك الفعل أحسن به من تركه، لأن الفعل الحسن في نفسه إن لم يكن أحسن بالفاعل لم يمكن أن يصير غرضا له، فثبت أن الملك الحق لا غرض له في فعله مطلقا غير ذاته، فذاته تعالى هو الفاعل وهو الغاية.
[12] حكي عن العارف الكامل الشاه آبادي: أنه قال في بعض تأليفاته في هذا المقام: التحقيق أن يقال: إن كماله الذاتي وعلمه العنائي بنظام الوجود - وهو عين ذاته - دعاه إلى العطاء والفيض، وبالجملة: الملئان أوجب الفيضان.
وحينئذ: فغاية فعله هو نفسه وظهوره وجلاؤه واستجلاؤه - يعني غايت فعلش خود نمايى است - لا الاستكمال ولا إيصال النفع إلى السفال، بل هو من لوازمه وتوابعه.
وإذا كان المقصود الأصلي في الإيجاد ظهور كمالاته فهو الغاية والبداية وهو المبدأ والنهاية، كما قال في الحديث: " كنت كنزا مخفيا ".