منكشف لنا من الألفاظ المرتبة كلاما نفسيا لنا، وليس كذلك بل قد يحصل عندنا علم بألفاظ غيرنا المرتبة وليست كلاما نفسيا لنا بالضرورة.
بل الكلام النفسي ما تحدثنا به أنفسنا بحيث يكون منشأ نفس الترتيب ومبدؤه من ذاتنا، فكلامنا هو ما رتبناه في خيالنا بأنفسنا، هذا.
مضافا إلى ما ذكره في " المواقف " من أنه قد يخبر الرجل عما لا يعلم أو يعلم خلافه أو يشك فيه، فتلك الصفة مبدأ اختراع الأخبار الكاذبة، وليست هي العلم الذي مبدأ الانكشاف، كما أن العلم بكلام الغير ليس كلاما نفسيا.
وفيه أولا: أن تسمية الصفة النفسية كلاما نفسيا إنما هو مجرد اصطلاح لا طائل تحته، كما هو واضح للمتأمل.
وثانيا: أن هذا المبدأ الذي ذكره وبين أثره بأنه منشأ ترتيب الألفاظ في خيالنا إنما هي من قوى النفس الباطنة، وشأنها أن تركب وتفصل ما يليها من الصور المأخوذة عن الحس والمعاني المدركة بالوهم، وتركب أيضا الصور بالمعاني وتفصلها عنها، ولها التركيب في الموجبات والتفصيل في السوالب. وتسمى عند استعمال العقل " مفكرة " وعند استعمال الوهم " متخيلة ". وسلطانها في الجزء الأول من التجويف الأوسط، كأنها قوة ما للوهم وبتوسط الوهم للعقل، كما برهن في كتاب النفس من " الشفاء " و " الإشارات " و " الأسفار " وغيرها.
ثم إن ما بينه من الأثر - أي ترتيب الألفاظ - إنما هو أثر خاص لهذه القوة المشتهرة للتركيب والتفصيل، ولها ألوان أخر من التجزئة والتركيب، وهي المركبة بين الصورة والصورة، وبين الصورة والمعنى، وبين المعنى والمعنى، وهي المفصلة بينها أيضا، وهي المخترعة للتشبيهات والاستعارات بأقسامها.
نعم، من زلات العمى عن البرهان ما يضيق عن الإحاطة بها نطاق البيان.