وأما الأوامر والنواهي الإلهية مما أوحى الله تعالى إلى أنبيائه، فهي ليست كالأوامر الصادرة عنا في كيفية الصدور ولا في المعللية بالأغراض والدواعي، لأن الغايات والأغراض والدواعي كلها مؤثرات في الفاعل وهو واقع تحت تأثيرها، وهو غير معقول في المبادي العالية الروحانية، فضلا عن مبدأ المبادي كلها جلت عظمته، لاستلزامه للقوة التي حاملها الهيولى، وتركب الذات من الهيولى والصورة والقوة والفعل والنقص والكمال وهو عين الإمكان والافتقار تعالى عنه. فما هو المعروف بينهم " أنه تعالى يفعل للنفع العائد إلى العباد " (1)، مشترك في الفساد والامتناع مع فعله للنفع العائد إليه [11].
[11] اعلم: أن العلة الغائية والغاية والغرض والفائدة متحدات ذاتا متغايرات اعتبارا.
مثلا: الجائع إذا أكل ليشبع فإنما أكل لأنه تخيل الشبع، فحاول أن يستكمل وجود الشبع، فيصير من حد التخيل إلى حد العين، فهو من حيث إنه شبعان تخيلا هو العلة لفاعلية فاعل الأكل المستتبع للشبعان العيني. فالشبعان العيني هي الغاية والشبعان التخيلي هو العلة الغائية. وهي بما أنه ملحوظ الفاعل في فعله يسمى غرضا، وبما أنها المترتبة على الفعل سميت بفائدة.
فإذا كان الفاعل المختار ممكن الوجود ناقص الذات كان غرضه في فعله شيئا زائدا على ذاته، به يستكمل ويتم ذاته. وأما الواجب المتعالي فلكونه تاما وفوق التمام فلا يعقل الغرض والغاية في فعله ليصير به تاما.
وقول القائل: إنه تعالى يفعل لغرض يعود إلى غيره لا إلى ذاته، مردود بما ذكره الإمام (قدس سره) من أن هذا الرأي مشترك في الفساد والامتناع مع فعله لغرض يعود