مراده إرادة الفعل الصادر من المأمور فهو صحيح، لكن الإرادة في الأوامر الغير الامتحانية والإعذارية أيضا لا تكون متعلقة بالفعل الصادر من المأمور، لأن فعل الغير لا يكون متعلقا لإرادته. وإن كان مراده إرادة بعث الغير إلى الفعل فهي حاصلة في الأوامر والنواهي الامتحانية والإعذارية أيضا، إلا أن الدواعي مختلفة فيها وفي غيرها، كما أن الدواعي في مطلق الأوامر والنواهي مختلفة.
ثم مع ذلك لا بد من زيادة تأكد وإجماع، فإن كلا من الإرادة والشوق الحيواني قابلان للشدة والضعف. ولا يكفي في انبعاث القدرة أصل الإرادة المميلة إياها على أحد الطرفين ما لم يبلغ حد الجزم، ولا الشوق الناقص إليه ما لم يشتد.
فإذا تمت الإرادة المتعلقة بفعل لزم صدوره من غير تخلف بالضرورة، وكذا الشوق الحيواني إذا اشتد وقع الفعل المتعلق به إذا لم يكن مانع من خارج أو داخل.
فإن الإنسان - كالمرء الصالح - ربما يشتد شوقه إلى فعل شهواني، فيقبح فينصرف عنه ولا يريده، لوجود مانع وصارف داخلي من عقل أو شرع.
فعلم من هذا: أن الإرادة الجازمة لا يمكن أن تتخلف، فإن الشوق في الحيوان بما هو حيوان رئيس القوى الفعلية، كما أن الوهم فيه رئيس القوى الإدراكية. وأما في الحيوان النطقي بما هو حيوان ناطق فرئيسها - بعد العقل العلمي - الإرادة، وبعدها الشوق المنشعب إلى الشهوة والغضب، وبعده القدرة المباشرة للفعل، وهو تحريك العضلات، وليس أن كل فعل يفعله الإنسان مما يحتاج فيه إلى توسط شوق حيواني، بل ذلك في أفعاله الشهوية والغضبية.
فتأمل فيما ذكرناه، فإن بعض المتأخرين المشهورين بالتعميق والتحقيق وقع